أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - حول مفهوم الأخلاق والحزب الثوري















المزيد.....



حول مفهوم الأخلاق والحزب الثوري


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 2687 - 2009 / 6 / 24 - 09:55
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


يعيش العالم اليوم ، في بداية القرن الواحد والعشرين ، وضعية جديدة تماماً ، تتمثل في هذا الإحراج بل التحدي المتزايد الذي تسببه العولمة عبر التسارع الهائل لثورة العلم والمعلومات والضمير الأخلاقي ، والذي أثار ويثير ردود فعل تسمح بالحديث عن " عودة الأخلاق " وإخضاع العلم ومنتجاته للأخلاق على العكس مما كان عليه الحال في القرن التاسع عشر حينما سادت النزعات المطالبة بتأسيس الأخلاق على العلم بدلاً من الكنيسة .
_ وفي مثل هذه الحالة، فإن من الاحتمالات المتوقعة، أن تتعزز حاجة شعوب البلدان الفقيرة في هذا العالم الى بعث الحياة في القيم الإنسانية وتطورها ، وإخصابها ، بما يحقق التعامل بالمعنى الإيجابي مع القيم الأخلاقية الجديدة التي أفرزتها الثورة العلمية وثورة الاتصالات والإنترنت وعلوم الاستنساخ والأجنة والهندسة الوراثية.... إلخ .
_ ولكن الواقع الراهن لهذه الشعوب التي تمثل حوالي 85% من سكان هذا الكوكب، يجعل من هذه الحاجة ، هدفاً صعب المنال ، إذا لم تتوفر شروط الاستقلال الذاتي، والارادة القادرة على كسر التبعية للنظام الامبريالي ، فالعالم اليوم ، في ظل العولمة ، يسير في اتجاهين :
1. تعميق سيادة الحضارة الرأسمالية ( الغربية ) المعولمة .
2. تعميق استبداد العولمة عبر تكريس قيم الخضوع في بلدان العالم الثالث أو الأطراف ، بواسطة أنظمة كومبرادورية وبيروقراطية تابعة ومتخلفة ، لا هم لها سوى استمرار الخضوع والاستسلام لشروط العولمة الرأسمالية تحقيقاً لمصالحها الشخصية .
- [1] وكجزء من عالم الأطراف ، يواجه الوطن العربي اليوم حالة من الانهيار الاجتماعي/ الاقتصادي/السياسي في إطار منظومة العولمة التي تعزز سيطرتها المادية على موارد ومقدرات شعوبنا، بمقدار نجاحها في فرض قيمها المعرفية السياسية والأخلاقية على واقعنا المفتوح لهذه العملية دون أي مقاومة سياسية عقلانية جدية ، سوى اللامبالاة أو الخضوع للاقدار أو صراخ خافت _ هنا أو هناك _ أشبة بصراخ اليائس أو الجريح .
_ الى جانب ذلك ، هناك الخطر الداخلي الذي نعيشه اليوم الذي يتجسد في حالة التفكك والتجزئة السياسية والتخلف وانتشار الأصولية بمذاهبها المتنوعة تحت مظلة الاسلام السياسي وبروز النزعات والحركات الطائفية وكافة مظاهر التفسخ الاجتماعي على الصعيد العربي ، والانقسام والصراع التناحري على السلطة والمحاصصة بين فتح وحماس على الصعيد الفلسطيني ، في ظل وصول ما يسمى بالعملية السلمية إلى أفق مسدود وخاصة بعد خطاب أوباما ونتنياهو، علاوة على الحصار الصهيوني، وتغلغل مظاهر الفقر والإحباط فيه بصورة غير مسبوقة .
- والمحصلة الناجمة عن المتغيرات السياسية والاقتصادية والمجتمعية السالبة على شخصية الشعوب العربية تكمن في تزايد اعتمادها _ بالجبر أو الاختيار _ على الآخر فيما تنتجه وفيما تستهلكه وفيما تتعلمه وفيما تقرأه وفيما تتلهى به ، أصبحنا عجينه يسهل تشكيلها أو تفكيكها أو تدميرها في ظل انتشار ما اسميه حالة الإحباط والإستسلام السائدة في أوساط شعوبنا العربية.
_ فمن أبرز نتائج هذا الوضع المهزوم أو المتردي : اندحار وتراجع قيم العدالة والمساواة وتراجع قيم المقاومة والصمود والوحدة الوطنية والمجتمعية ومعظم القيم الأخلاقية المرتبطة بها ، ارتباطاً بالتراجع السياسي و الاجتماعي العام على الصعيد العربي، الناتج عن هذه الهوة الواسعة بين الأغلبية الشعبية الفقيرة من جهة ، وبين الأقلية الغنية الكومبرادورية والبيروقراطية والطفيلية المتنفذة من جهة أخرى ، بما يجعل من تراكم وتفعيل قانون الصراع بالمعنى الوطني والطبقي بينهما أمراً موضوعياً وواجباً في آن واحد .
_ بالطبع قد يأخذ الصراع بين الأقلية المتنفذة والمدركة لمصالحها ، وبين الأغلبية العفوية غير المنظمة بسبب ضعف أو غياب أو انهيار القوى اليسارية القومية ، صوراً أو أشكالاً تعيد إنتاج قيم التخلف والتبعية سواء عبر حركات الاسلام السياسي التي لا تتناقض جوهريا مع النظام الرأسمالي العالمي رغم ممانعتها للعدو الاسرائيلي، أوعبر أنظمة الحكم أو السلطة ورموزها التي نجحت القوى الإمبريالية في تأطيرها وتسخيرها في خدمة مصالح التحالف الإمبريالي الصهيوني ضد مصالح الأغلبية الساحقة من شعوبنا العربية بما يوحي للبعض بأن "اللامبالاة " أو " الخضوع " أو عدم الاستجابة للتحدي من قبل الجماهير الشعبية الفقيرة هو حالة ثابتة أصيلة في مجتمعاتنا العربية ، يتم تسخيرها لخدمة الأخلاق والقيم الهابطة السائدة في مجتمعاتنا ، دون إدراك من هذا البعض أن هذه الأخلاق هي أخلاق الطبقة السائدة في المشهد العربي الراهن الذي يتعرض لحالة غير مسبوقة من الاستبداد والافقار والتردي والانحطاط الاجتماعي، تغذيها – بصورة مبرمجة وذكية – الفضائيات التلفزيونية المعولمة التي تعمل في خدمة الثقافة الرأسمالية الاستهلاكية تحت مسميات وبرامج متنوعة .
إن مجتمعاتنا العربية تعيش اليوم أزمة عامة تستحكم وتتشابك مظاهرها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. إنها ليست مجرد أزمة من الأزمات التي تعرض لنظام من نظم الحكم في هذا القطر العربي أو ذاك فحسب، وإنما يعاني الوطن العربي في مجموعه، أزمة مجتمعية عميقة باتت تطرح، إن على مستوى الفكر أو الممارسة، تحديات ثقيلة تواجه كل من يقلقه حاضر الأمة العربي ومستقبلها المنظور.
-هذا المشهد -الذي نعيشه اليوم- في الوطن العربي ، رغم التفاوت في شكل حركته أو صورة مظهره بين قطر وآخر ، يُعَبّر -في جوهره- عن سيرورة انتقال الى حقبة شخبوطية ، أول مظاهرها -كما يقول المفكر العربي ياسين الحافظ- تصفية مشروع الدولة القومية ، والتقهقر الى مرحلة ما قبل الدولة ، أي الى الدولة العشيرة ( أو الدولة العائلة ) ، والدولة -الطغمة ، ويتجلى ذلك في الانفصال المتزايد بين الحكم والشعب ، وفي تنامي الطابع التوتاليتاري [2] للأنظمة العربية ، والتوسع المذهل في فساد " الدولة " أو السلطة، فساداً لم يعد هامشياً أو استثنائياً ، إنه الفساد الذي يرتدي طابعاً سياسياً مملوكياً ، أي أنه لم يعد مجرد مسألة انحلال أخلاقي فحسب ، بل تعبيراً عن انفصال الحكم عن الأمة .
فإذا كان الواقع –المتخلف والتابع- هو مصدر الأفكار والمفاهيم ، فإن خصوصية هذا الواقع تُعَبّر عن مجمل العلاقات الاجتماعية الاقتصادية ، الثقافية السائدة فيه ، وهي التي تحدد طبيعة الأفكار أو المفاهيم التي يعكسها هذا الواقع ، دون ان يعني ذلك خضوعا ميكانيكيا أو قدريا ، ذلك أنّ وظيفة الفكر النقدي هي "اكتشاف العنصر العقلي أو العناصر العقلية في الظاهرات ، وفي التشكيلات والمنظومات الاجتماعية و الثقافية والخطابات السياسية …"
ومن ثم – كما يقول جاد الجباعي- " فإن الفكر الذي يستحق اسمه هو إدراك للحاضر وللواقع بالفعل، إدراك لروح الشعب ومنطق الواقع، وإدراك للمبدأ العقلي والأخلاقي في كل مجال من مجالات الحياة".
"إن الفكر أو العقل –كما يضيف الجباعي - يسعى على الدوام إلى تعرُّف ذاته في الحاضر وإلى تعرُّف حريته في القانون العام والنظام العام (أو الدستور الديمقراطي) والقوانين التي تضمن تطبيق إرادة الخير العام والنفع العام ولمصالح الوطنية العامة وثوابتها".
ففي عصرنا الراهن، لا يستقيم أن تكون أمة، كائناً أخلاقياً من دون هذه الرابطة العقلية/الأخلاقية، أي من دون عقد اجتماعي يكون بموجبه جميع المتعاقدين أحراراً ومتساوين.
فالسياسة التي تستحق اسمها، سياسة مبدؤها الفكر أو العقل، فكر الواقع أو عقل الواقع، وغايتها (علاوة على أهداف التحرر والديمقراطية) الأخلاق والحياة الأخلاقية. المبدأ والغاية هنا كالمبتدأ والخبر، لا معنى لأي منهما من غير الآخر.
لكن من المؤسف والمحزن في آن أن السياسة لم ترق عندنا بعد إلى مستوى العمل في سبيل وحدة النضال الوطني كما لم ترق –بسبب هذا التفكك والإنقسام واستمرار الصراع- إلى تظهير العقد الاجتماعي القائم في صيغة قانون عام يسري على جميع أفراد الأمة.
وإذا كان الحديث عن فساد الأنظمة العربية يثير الأسف، فإنّ الحديث عن وصول القضية الفلسطينية إلى مأزق مسدود أو الحصاد المر، إلى جانب فساد سلطة م.ت.ف والانقسام والصراع المحتدم بين فتح وحماس وانتهاك مبادئ الأخلاق في الشأن الفلسطيني ... كلها عوامل تثير الحزن والأسى بقدر ما يتوجب أن تثير في الجبهة الشعبية كل نوازع التحدي والمقاومة لتغيير هذا الواقع صوب المستقبل.
هنا نقترب من أهمية الحديث عن الجانب المعرفي للأخلاق في تطوره التاريخي تمهيداً للحديث عن مفهوم الأخلاق في الحزب الماركسي .
تعريف الأخلاق :
بدايةً ، وعلى صعيد التفسير اللغوي ، فإن في اللغة العربية كلمتان يعبر بهما عن الأوصاف التي يوصف بها السلوك البشري : خُلُق (والجمع أخلاق)، وأدَب (والجمع آداب). والكلمتان غير مترادفتين مع أن الواحدة منهما قد تنوب مناب الأخرى في كثير من الأحيان [3] .
يورد صاحب "لسان العرب" معنى يحدد به "ماهية" الخُلق عن طريق المقارنة فيقول: "ان الخُلُقْ هو صورة الإنسان الباطنة، أو مكونه النفسي الداخلي ، بعبارة أخرى " الخلق " للنفس كـ"الخِلْقة" للجسد.
والملاحظ أن "الخلق" بهذا المعنى غير "السلوك"، فهو "ملكة"، أو "هيئة في النفس" تصدر عنها الأفعال : فهي منبع السلوك، أما السلوك فهو الممارسة الفعلية الصادرة عن المفهوم أو الصفة.
وفي هذا السياق يؤكد د.محمد عابد الجابري في كتابه "العقل الاخلاقي العربي" خلو المكتبة العربية من كتاب أو دراسة في نقد العقل الأخلاقي العربي أو في تحليل نظم القيم في الثقافة العربية الإسلامية تحليلاً موضوعياً نقدياً .
ننتقل الآن إلى تعريف مفهوم الاخلاق فنقول : أنّ الأخلاق ظاهرة اجتماعية يتم صياغتها بصورة واعية و هادفة ، بما يتوافق مع المتطلبات التاريخية في كل مرحلة من مراحل تطور المجتمعات البشرية ، وهي أيضاً شكل من أشكال الوعي الاجتماعي ،يقوم بمهمة ضبط وتنظيم سلوك الناس في كافة مجالات الحياة الاجتماعية بدون استثناء ،في السياسة وفي العلم ، وفي العمل وفي البيت والأمكنة العامة ... إلخ .
وقد أجمل معجم "لالاند" تعريفات الأخلاق في دلالات أربع [4] :
الأولى : هي أن الأخلاق جملة قواعد السلوك المقبولة في عصر أو لدى جماعة من الناس. وبهذا المعنى يقال: أخلاق قاسية، أخلاق سيئة، أخلاق منحلة ، أخلاق طيبة ، كريمة أو صالحة ..الخ
والثانية : هي أن الأخلاق جملة قواعد السلوك التي تعتبر صالحة صلاحاً لا شرطياً.
والثالثة : هي أن الأخلاق نظرية عقلية عن الخير والشر، وهذه هي الأخلاق الفلسفية.
والدلالة الرابعة : هي ان الأخلاق جملة ما يتحقق في العلاقات الإجتماعية من أهداف حياة ذات صبغة إنسانية أعظم.
إن المشكلة الفلسفية للمعرفة الأخلاقية ، تطرح طائفة لا تحصى من الأسئلة التي تتناول ما يتصل بها من مفاهيم ومبادئ وقيم. مثال ذلك : ما أصل مفاهيم الخير والعدالة والشرف والكرامة ؟... هل هي وليدة التجربة أم أنها فطرية، ما طبيعتها الذاتية والموضوعية؟ ما معيار الخير والعدالة والإحسان؟ وهل هو معيار وحيد أم متعدد ؟ موضوعي كلي أم ذاتي استثنائي ؟ هل المبادئ الأخلاقية مما يكتسب بالتربية ، بالتلقين ، بالاتباع ..؟ وإذا كانت فطرية فلم لا تظهر إلا بعد مضي فترة من العمر .
إن الاجابة على هذه التساؤلات –بصورة موضوعية بعيدا عن التفسير الغيبي- لا يمكن الا ان تأخذ بعين الاعتبار حقائق الواقع الاجتماعي وتنوعه الطبقي ، التي تؤكد على أن الاخلاق وكافة القيم الاجتماعية هي نتاج تاريخي تراكمي للتركيب الطبقي في المجتمع ولأنماط الحياة الاجتماعية فيه ، ففي مجتمعنا الفلسطيني (كما هو الحال عموما في المجتمعات العربية) نلاحظ بوضوح أن أنماط المعيشة السائدة فيه إلى يومنا هذا تنحصر –حسب د.حليم بركات- في ثلاثة أنماط أساسية هي : "البداوة والفلاحة والتمدن ، وهي التي تحدد طبيعة القيم الاجتماعية في كل منها ، إلى جانب تأثير الدين والنظام العام السائد [5] " في المجتمع ككل ، وهذا ما يفسر مظاهر التباين في القيم الاجتماعية بين كل نمط وآخر داخل المجتمع الفلسطيني (والعربي كذلك) ، دون أن يعني ذلك أن كل نمط يعيش حالة من الانسجام أو التجانس الذهني بين مكوناته الطبقية أو الاجتماعية ، إذ أن كل نمط من هذه الانماط (البدو/الفلاحين/سكان المدن) ينقسم طبقيا في داخله إلى عدة طبقات أو شرائح اجتماعية تتراوح بين الطبقات الفقيرة والمعدمه ثم الطبقة الوسطى ثم الطبقة الغنية (أثرياء الريف/القمم القبلية/بورجوازية المدن) حيث تختلف الاخلاق والقيم الاجتماعية السائدة في كل نمط باختلاف التركيب الطبقي وتمايزه بين هذا النمط أو ذاك ، والمعروف ان التمايز الطبقي في بلادنا العربية تحدده مجموعة عوامل أهمها : ملكية الأرض و/أو احتكار رأس المال ثم المنصب الوظيفي العالي في اجهزة الدولة ، وأخيرا النسب العائلي المتوارث ، دون ان نغفل ان الدين قد لعب –تاريخيا وما زال- دوراً هاماً في الحفاظ على ثبات القيم الاجتماعية للشرائح الطبقية العليا في كل نمط من الانماط المذكورة ارتباطا بالطابع المطلق للقيم الدينية في بلادنا كما في كل البلدان المتخلفه ، حيث يتم تكييف هذه القيم مع المصالح الطبقية العليا في كل نمط من الأنماط .
في ضوء ما تقدم يتضح لنا بدون أي التباس أو غموض أن القيمة الأخلاقية ، هي قيمة مكتسبة ومتجددة ، بالمعنى الخاص الفردي أو بالمعنى الشعبي العام ، شأنها شان سائر القيم ، هي دائماً في الأفق ، وهي مطلب قريب وبعيد ، نحبه ونسعى إليه ونحقق منه ما نحقق ، ولكننا لا نبلغه بأسره أبداً ، وهو متجدد على الدوام سواء على مستوى أخلاق المجتمع ككل ، أو في مجال الأخلاق الجزئية أو الفردية أو الخاصة .
على أية حال فإن تعريف الأخلاق من منطلقنا كجبهة شعبية يمكن أن يتحدد فيما يلي :
إن الأخلاق هي ظاهرة اجتماعية تاريخية وتراكمية يتم صياغتها في الاطار الشعبي عموما ، وفي اطار المصالح الطبقية خصوصا ، عبر منطلقات نظرية ، دينية وفكرية وسياسية وتراثية ، تستهدف إما الحفاظ على الواقع القائم كما هو ، أوالثورة عليه باسم المستقبل لتغييره وتجاوزه ، وفق أهداف هذه الحركة الثورية أو تلك التي تعمل على تحقيق الصورة المنشودة من إنسانية الإنسان ، حيث تتخذ الأخلاق هنا طابعا ثوريا مستقبليا باسم قيم الحرية والعدالة والديمقراطية ،فلا غرابة أن تتصف الرؤية الأخلاقية الثورية بأنها مستقبلية بالدرجة الأولى .
الأخلاق الدينية [6] :
قبل ظهور الأديان ، كانت الأساطير هي المصدر الأهم للأخلاق ، ومع تسلسل ظهور وانتشار الأديان ، اليهودية ، والمسيحية ، والاسلام ، نلاحظ أنها اتفقت على بناء الأخلاق على نحو ثابت ، وخاضعة خضوعا كاملا أو مطلقا لأوامر ومشيئة الدين .
فالأخلاق اليهودية تُشتَق من تعاليم الرب ،" أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك. لا تقتل. لا تزن. لا تسرق. لا تشهد على قريبك شهادة زور. لا تشته بيت قريبك. لا تشته امرأة قريبك، ولا عبده، وقرر أن "العين بالعين، والسن بالسن" فإذا أطاعوه فازوا".
لم تعن اليهودية الأولى بالحياة الآخرة عنايتها بالحياة الدنيا، وهي تقدم العاجلة على الآجلة، على نقيض المسيحية التي جاءت بشارة بالملكوت السماوي، تدعو إلى العزوف عن الدنيا، والتهيؤ بالأخلاق الوديعة، وبمحبة السلام، للحياة الأبدية " طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات. طوبى للحزانى لأنهم يتعزون. طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض. طوبى للجياع والعطاشى إلى البر لأنهم يشبعون. سمعتم أنه قيل عين بعين، وسن بسن، وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر.. بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً.. وسمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم". (متى 4/3 وما بعد).
أما الإسلام فإنه يتوخى –حسب النص- "تحصيل السعادتين" شعاره: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً". خلق الله الإنسان، وهداه كما هدى كل شيء. وجعل للإنسان سعادات لا تحصى هي النعم الإلهية. (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)، وهذه النعم دنيوية وأخروية معاً، ولكن النعم الدنيوية في الوقت نفسه وسيلة إلى النعم الدائمة والسعادة الحقيقية الدائمة في الآخرة .
المذاهب الأخلاقية في الفلسفة :
نشأت المذاهب الأخلاقية في اليونان قبل سقراط؛ ثم ظهرت في إطار الفلسفة التي أكدت على أخلاق الحكمة التي تضم مذاهب سقراط وأفلاطون وأرسطو، وقد تصور اليونان الحكمة على انحاء شتى، ولكنهم اتفقوا على الإيمان بأهميتها ونفعها لأنها مصدر فضائل طيبة رفيعة يود كل إنسان، بزعمهم، أن يتحلى بها ويسعد بنوالها.
فقد كان أرسطو ( 284 -322 ق.م ) أول من استخدم هذا المصطلح ( الأخلاق الحكمة العملية Ethics ) من أجل صياغة الأفكار عن الواجب والخير والشر ، وأكد في فلسفته أن هناك أناسا يولدوا لكي يكونوا اسيادا واناسا يولدوا لكي يكونوا عبيدا ، وهي الفلسفة التي سادت طوال المرحلة الاقطاعية في اوروبا .
والطريق عنده لبلوغ السعادة هو الطريق الوسط حيث تنظم الأخلاق في شكل ثلاثي يكون الطرفان الأول والأخير فيه تطرفاً ورذيلة ، فالوسط فضيلة ، إذ أنه بين التهور والجبن توجد فضيلة الشجاعة ، وبين الخضوع والعتو فضيلة الاعتدال ، وبين الكتمان والثرثرة فضيلة الأمانة وبين الكسل والجشع فضيلة الطموح ، وبين الخصام والتملق فضيلة الصداقة ، وبين البخل والإسراف فضيلة الكرم …الخ
وفي المرحلة الاقطاعية منذ القرن الخامس الميلادي حتى القرن السابع عشر ، سادت أخلاق الارستقراطية الاقطاعية ذات الطابع المسيحي ، التي استطاعت تكييف الدين المسيحي لحساب مصالحها الطبقية ، حيث سادت الأفكار والفلسفات الرجعية في ذلك العصر (الافلاطونية المحدثة والسكولائية) ونجحت في تثبيت ما سمي ب" أخلاق السادة النبلاء" مقابل أخلاق الطبقات الشعبية الفقيرة التي فرضت عليها ظروف الاستبداد والقهر ، أن تمتثل لكل أشكال التفكير الغيبي والاعراف والتقاليد والامثال الشعبية المنبثقة عنه ، وهي أفكار أكدت على أن الخضوع للسادة هو نوع من الايمان وبالتالي فإن التمرد عليه نوع من الكفر (وهي أفكار تشبه وتتقاطع إلى حد بعيد مع الاخلاق والأمثال الشعبية [7] التي سادت في التاريخ الاسلامي وما تزال حتى اللحظة الراهنة) .
وفي القرن السادس عشر ظهر " فرنسيسس بيكون " ( 1561_ 1626) ، الذي أعلن "بأن المبدأ الذي ينظم الحياة الفردية والحياة الاجتماعية إنما يتجلى في الطبيعة البشرية بنزعاتها وميولها وما تضمر من عواطف وغرائز ، فالطبيعة البشرية هي المنطلق الأصيل في بناء الأخلاق" ولكن ذلك مرهون بتطهير العقل وغسله من التصورات والأوهام السابقة لكي يتصدر العلم والعلماء قمة البناء ، لقد كان بيكون -كما يقول ول ديورانت- "أعظم عقل في العصور الحديثة" قام بقرع الجرس الذي جمع العقل والذكاء وأعلن أن أوروبا قد أقبلت على عصر جديد .
وقد نضج الجانب العقلي من هذا النظر بنضج الفكر الأوروبي ، ثم ظهور الفلسفة الحديثة مع ديكارت، رأس المدرسة العقلية، وبدأ ما نستطيع أن نسميه أخلاق العقل ، التي أعلن عنها بجرأة تلميذه الفيلسوف المادي "سبينوزا" حينما انتقد اخلاق "الكتاب المقدس" انتقاداً مراً، واستنتج مبدأ الحق من القوة، واعتبره مبدأ كل أخلاق .
ثم جاء جان جاك روسو ( 1712 -1778 ) ليعلن أن الوجدان غريزة الهية معصومة ودعا إلى المساواة بين البشر وأن يظل الناس أحرارا كما ولدوا، أما فولتير، فقد رفض جميع تعاليم الديانات في صفات الله، لكونها تفتقر إلى البرهان، لكنه رغم ذلك رفض الإلحاد لكونه "يشكل خطراً على النظام الاجتماعي" وعاش كل حياته مناضلاً ضد التعصب الديني.
حتى جاء كانط ( 1724 -1804 ) صاحب المذهب الانتقادي، وأخلاق العقل، وهو القائل بوحدة العقل النظري والعملي، وأن العقل العملي المحض يصدر أوامر مطلقة هي قوام الوجدان الأخلاقي، وتتميز بانها قطعية ترفض المحاباة ، وتوجب القيام بالواجب فعل الجندي الذي ينفذ ما به يؤمر أولاً.
ذهب كانط الى أن الواجب هو المفهوم المركزي في الأخـلاق وهو الذي يحدد مفهوم الخير ( والخير هو فعل الواجب ) وعلى هذا النحو يترتب على الإنسان عند كانط ، أن يؤدي واجبه من أجل الواجب نفسه .
يُعَرفّ كانط الأخلاق ، عامةً بأنها مجال الحرية للبشرية ، المتميز عن ميدان الضرورة الخارجية والسببية الطبيعية ، الأخلاق عند كانط ، مجال اللازم ( ما يجب أن يكون) هذا التعريف صحيح من حيث المبدأ ولكنه لا يرتكز ، في فلسفة كانط ، الى فهم الطبيعة الاجتماعية للأخلاق وقوله بأن المثال الأخلاقي لا يتحقق إلا في العالم الآخر .
والى جانب كانط ، فقد حفلت الثقافة الألمانية بآراء فيخته وشلنغ وهيغل ومحاولاتهم بناء الأخلاق على نحو من الجدل الثلاثي (ديالكتيك) وقد أوصل الأول إلى المثالية الذاتية والثاني إلى المثالية الموضوعية والثالث ( هيجل 1770 – 1831 ) إلى المثالية [8] المطلقة ، حيث تقوم خصوصية مذهبه الأخلاقي في أنه طرح جانباً الجدل الدائر حول المبادئ الأخلاقية المجردة ، ليركز الاهتمام على الأشكال الاجتماعية (عبر الالتزام الاخلاقي تجاه الاسرة والمجتمع والدولة) ، التي فيها يتم نشاط الشخصية الأخلاقي مكان الفضيلة الخلقية .
أما أوغست كونت ( 1798 _1857 ) ، فالأخلاق لديه علم يهدف أول ما يهدف إلى البحث عن قوانين الحوادث الأخلاقية ويكون عندئذ شطراً من علم الإجتماع ، ويعتبر اوغست كونت مؤسس النزعة الوضعية التي تستند الى العلم في كل ما يتعلق بالمعرفة والسلوك ، وهو صاحب نظرية" الحالات الثلاث " ، التـي تــقول أن المفكر البشري مـر خلال مسيرته "بثلاث حالات " أو مراحل من التطور :
1.الحالة اللاهوتية أو التفسير الديني .
2. الحالة الميتافيزيقية وتتميز باعتماد العقل المجرد بواسطة التكامل والاستنباط .
3. الحالة الوضعية التي تتميز باعتماد العلم في فهم وتفسير الظواهر الطبيعية والبشرية وهي الحالة " المعاصرة " التي دعا الى الأخذ بها .
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت أفكار نيتشة ( 1844 _1900 ) ، التي تدعو الى تدمير الأخلاق القديمة وتمهيد الطريق لأخلاق " الإنسان الأعلى " ، انطلاقاً من قناعته بأن هناك تقديران متناقضان للسلوك الإنساني ، هما أخلاق السادة ، وأخلاق الطبقات العامة ، فالخضوع عنده يولد الذل والضعة ، والعجز ينتج طلب المساعدة من الغير ، حيث تسود أخلاق الضعف والسلام والأمن وتصبح أحد أهم السمات الأخلاقية للشعوب المستعبدة والمغلوبة على أمرها ، فالحياة التي تقوم على مبادئ التسامح الضعيف هي حياة تسير في طريق الانحلال ، فالأخلاق الحقة هي إرادة القوة، إذ إن القوة ومواجهة الخطر والحرب تتميز بقيمتها الأعلى في مقابل قيم اللطف والشفقة والخنوع والسلام ، إن قيم القوة هي أمور لابد منها في الكفاح واختيار الأفضل من أجل تحقيق الأهداف ، فالضعيف فاتر الهمة الذي يقول " إن الحياة لا تساوي شيئاً " خير له أن يقول " إنني لا أساوي شيئاً " هكذا كان نيتشة واضحاً وصريحاً في احتقاره للضعفاء ، وكان بالمقابل مغالياً في تمجيد القوة ، فالإنسان الأعلى عنده هو فرد متفوق يرتفع بشجاعته من وسط الشعب بفضل تربيته القوية لا بفضل الانتخاب الطبيعي أو أي عامل آخر .
كان نيتشة يحتقر أخلاق العبيد أو الضعفاء لأنها أخلاق صادرة عن الضعف والعجز بينما أخلاق الأقوياء أو " السادة " كما يقول : تقوم على البطولة والمقدرة .. إنها أخلاق الأقوياء "الخير" فيها يكون خيراً بمقدار ما يعبر عن شعور الفرد بالقوة ، فإذا صدر منه فعل الخير فذلك يكون عن بطولة وامتلاء وبذل ، لا عن خوف أو إكراه .
أما العبيد فانهم يلجأون الى تسمية الأشياء بعكس أسمائها الحقيقية . وهكذا فالشعور بالعجز يسميه العبد " طيبويه " ، وعدم القدرة على رد الفعل يسميه " صبراً " كما يسمي الخضوع " طاعة " و الوضاعة " تواضعاً " والعجز عن الانتقام " عفواً " وهكذا …
وسؤالي الى أي مدى تنطبق أخلاق العبيد على العرب اليوم ؟ وما هو البديل ..؟ هل هي إرادة الحياة ؟ هل هو الإنسان الذي يثور ضد العدو الوطني ، وضد العدو الطبقي ، إلى جانب ثورته على الأخلاق السائدة وأضاليلها ؟ هل هو الإنسان الذي يثور على الشفقة وعلى الرحمة وعلى الصبر والتواضع والتواكل ؟ الجواب أتركه لكم .
بعد نيتشه ، ظهرت الفرويدية [9] (أو مذهب التحليل النفسي) كمذهب مثالي _ ذاتي في طبيعة الإنسان ، انتشر بشكل واسع في البلدان الرأسمالية الغربية، وتشربت بأفكاره ، بدرجة ملحوظة السوسيولوجيا والفلسفة والانتروبولوجيا والأخلاق وعلم الجمال وعلم التربية البرجوازية المعاصرة ، على يدي الطبيب النفسي النمساوي سيغموند فرويد ( 1856_1939) الذي قال بأن دوافع الانسان واخلاقياته هي انعكاس لميوله اللاشعورية ، ولا سيما الجنسية ، انه العنصر الأولي لعالم الإنساني الداخلي – "الهو" ( اللاشعور) الذي يفعل كقوة بدون وجهة ، كنزوع يتخذ اتجاهه في " مبدأ اللذة " ويتجلى عند الرجل في عقدة متناقضة من الميول الجنسية نحو الأم وفي بواعث عدوانية تجاه الأب .
أما التفسير التطوري ، وخاصة مذهب " سبنسر " ( 1820 _ 1903 ) فان مصدر الأفكار والآراء حول الأخلاق التي نادى بها " سبنسر " قد تشكلت على أساس بيولوجي ، بفضل نظرية دراوين ولا مارك عن أصل الأنواع " وعن " الانتقاء الطبيعي "، حيث يربط "سبنسر" فكرة الضمير الأخلاقي بالفكرة العامة أو فكرة الأخلاق المكتسبة ، وهي فكرة " بقاء الأصلح " في تطبيقها على الواقع الاقتصادي والبقاء للأقوى فيه . وفي هذه المرحلة ظهرت فلسفة البرجماتزم [10] عبر افكار وليم جيمس ( 1842 _1910 ) الذي تأثر بالمفكر الأمريكي تشارلز بيرس صاحب مقولة " لكي نجد معنى للفكرة ينبغي أن نفحص النتائج العملية الناجمة عن هذه الفكرة " ، وتوصل بعد ذلك الى تعريف جديد للحقيقة بقوله " إن الحقيقة هي القيمة الفورية للفكرة ، فعوضاً عن سؤالنا عن مصدر الفكرة ، فان فلسفة البرجماتزم تفحص النتائج ولا تهتم بالمصدر ، إنها تتجه الى النتيجة أو الثمرة .
لم يقتنع وليم جيمس بالفلسفة التي تقوم على التفكير والتأمل ورأى أن لا قيمة للأمور في نظره إلا إذا أرشدتنا الى تحسين أوضاع حياتنا .
لا قيمة إلا للفرد ، وكل ما عدا ذلك فهو وسيلة ، وهكذا يرى دور الدولة وواجبها في خدمة الأفراد رجالاً ونساءاً، والأخلاق هنا مبنية على هذا الأسس.
وبعد وليم جيمس ، جاء تلميذه جون ديوي ( 1859 – 1952 ) الذي قال أن النمو و التطور ، هما أعظم الأشياء وأفضلها وأجدرها بالاحترام ، لقد جعل ديوي من النمو والتطور مقياسه الأخلاقي ، فالنمو في نظره هو المقياس الأخلاقي وليس الخير المطلق .
يقول " إن الإنسان السيئ مهما كان طيباً وخيراً في الماضي هو الإنسان الذي بدأ في الانحطاط والفساد وقل نمو فضله ، والإنسان ، مهما كانت أخلاقه ضعيفة من قبل ، ولكنه يتجه الى تحسين نفسه فهو إنسان جيد أو فاضل .
كما يقول " لكي تكون فاضلاً (أو أخلاقياً) لا يعني ذلك أن تكون طيعاً وأنيساً ، إذ أن الفضل بغير مقدره ، فضل اعرج ، ولن تنفعنا فضائل العالم كلها إذا كان ينقصها الذكاء والعقل ... لأن الجهل هو حالة استبعاد وفقدان للوعي وليس نعمة أو سعادة .
أما عالِم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (1864 ـ 1920) ، فقد رأى أن الحداثة المعاصرة، وانتقال العالم من العصر القديم إلى العصر الحديث، يمكن إرجاعه إلى سببين رئيسيين، هما : «روح» الرأسمالية، و«الأخلاق» البروتستانتية . كان ماكس فيبر مهتما جدا بدراسة علاقة الثقافة بشكل عام ، والدين بشكل خاص ، بسلوك الفرد والمجتمع ، ومن ثم علاقة كل ذلك بالتقدم أو التخلف . من خلال دراساته استنتج فيبر أن الرأسمالية ، وهي التي خلقت العالم الحديث، لم تنشأ إلا في تلك البلاد التي تحولت إلى البروتستانتية ، مثل بريطانيا وألمانيا وهولندا ، وذلك لأن الأخلاق التي تبشر بها البروتستانتية ، على خلاف الكاثوليكية أو الأرثوذكسية ، تدعو إلى العمل والإنتاج وتكوين الثروة ، والنجاح في مثل هذا المسعى هو علامة رضا من الرب . فالكاثوليكية التقليدية مثلا كانت ترى أن الثراء هو امتحان من الرب ، وأن الغني الذي لا يتخلى عن ثروته من أجل الرب لن يدخل الجنة . أما البروتستانتية، أو ما بشرت به تعاليم لوثر وكالفن وغيرهما، في تفسير مختلف للأناجيل، فهو أن الثراء دلالة على النجاح، والنجاح في الحياة الدنيا هو علامة رضا من الرب، وعلى ذلك فإن المؤمن الحق هو من يسعى وينجح، وبذلك كانت الأخلاق البروتستانتية –عند فيبر - هي الحاضن لروح رأسمالية تكمن وراء كل إنتاج أو إبداع .
بهذا العرض المكثف للمسار التاريخي الصاعد للمعرفة ، نلاحظ انتقال المسألة الأخلاقية في عصر النهضة أو في حضارة الغرب الرأسمالي عموما ، من مستوى الدين الآمر ، والفكر اللاهوتي إلى مستوى الفكر الانتقادي ، وأصبحت قواعد الأخلاق الرأسمالية موضوعاً من مواضيع الثقافة الإنسانية "دون القطيعة الكاملة مع جوهر الدين" ، فقد تضاءلت –كما رأينا- فكرة المذاهب الأخلاقية القديمة على أثر انتشار النزعات الأخلاقية الذرائعية ، (وليم جيمس، ديوي) ، والتحليلية النفسية (فرويد، يونغ، آدلر) والوجودية (كيركغارد، سارتر، كامو، دي بوفوار) ، وهنا تبرز أسماء المعاصرين من الباحثين في مختلف الأصقاع .
وفي هذا الجانب قدم كل من سان سيمون وشارل فورييه وروبرت أوين وغيرهم من الاشتراكين الطوباويين اسهامهم في علم الأخلاق، حيث حاولوا أن يتنبئوا وأن يصوروا علاقات أخلاقية جديدة بين الناس .
- ومع بداية انتقال المجتمع الأوربي من النمط الإقطاعي الزراعي محدود الأفق إلى النمط الجديد الصناعي الرأسمالي بآفاقه المفتوحة ، تولدت مفاهيم وأفكار ومدارس فلسفية جديدة معلنة موت النظام القديم وميلاد عصر جديد للبشرية ، لعصر النهضة و التنوير … وكان نجاح الثورات البرجوازية الأوربية بمثابة الإعلان الحقيقي لعصر النهضة أو عصر الحداثة ، والانتقال من مجتمع الطبيعة المحكوم بنظرية الحق الإلهي إلى المجتمع المدني ، مجتمع الديمقراطية والثورة العلمية ، من أبرز مفكري وفلاسفة هذا العصر ( ميكافيللي 1469/1527 ،وجاليليو 1564/1642 ، وبيكون 1561/1626، وديكارت 1596/ 1650 وتوماس هوبز 1588/1679 وجون لوك 1632/ 1704 ،ومونتسكيو 1689/1755 ، وفولتير 1694/1778 ، وروسو 1712/1778 ،وكانط 1724/1804 ،وهيجل 1770/1831 كل هؤلاء ،ساهموا في إنتاج المعرفة الجديدة التي قامت على العقل والعلم ، ووضعت قواعد الأخلاق الجديدة .. أخلاق البورجوازية .
وبإزاء هذه الحركة "الميتافيزيائية" قامت الفلسفة المادية الجدلية عبر إعلان ماركس عن "فلسفة علمية تقوم على مبدأ المادية التاريخية المتطورة تبعا لحتمية جدلية صارمة هي حتمية الصيرورة والغائية، فقد بين كل من ماركس وانجلز أن الأخلاقيات يحددها النظام الاقتصادي والاجتماعي للأمة، وأنها نتاج تاريخي . ورسم ماركس وانجلز – في تعاليمهما - الدرب الصحيح إلى السعادة والعدالة والحرية .

وترتبط المرحلة التالية في تطور علم الأخلاق باسم لينين و ج. بليخانوف، وب لافارج، وأ. بيبل، وأ. ماكارينكو وغيرهم، في إثراء الأخلاق الماركسية، كما وضع بناء الاشتراكية مشكلات جديدة أمام علم الأخلاق الذي يتحول أكثر وأكثر إلى علم مستقل .
إن الرؤية المنهجية التي استند إليها الفكر النقدي في المسألة الأخلاقية ، تدلنا أن المذاهب الأخلاقية ما هي إلا أحداث اجتماعية بذاتها ، هذا ما أكد عليه " ماركس " الذي ميز أربعة أنماط كبيرة للعلاقات الاجتماعية في التاريخ العالمي تتناسب معها أربعة أنماط كبيرة للأخلاق:
النمط الأول : ( المشاعية ) وهو نمط العلاقات الطبيعية العشائرية ، والقبلية القائمة على قرابة الدم ، واللاطبقية عند الإنسان البدائي .
النمط الثاني : ( العبودي والإقطاعي ) وهو نمط علاقات التبعية الشخصية ، علاقات السيطرة المباشرة والخضوع . وتبرز هذه التبعية بشكلها الأبسط والأكثر قوة في نظام الرق الإقطاعي ، ويتميز هذا النمط بنوع خاص من الأخلاق يبرز صرامة عدم المساواة الاجتماعية بين الناس " العبودية ، وتبعية الرق " ، (والمعروف أن هذا النمط لم تعرفه مجتمعاتنا العربية إلا بالمعنى الجزئي فيما يتعلق بشكل النظام الإقطاعي ، وان كان في جوهره قد حمل الكثير من أوجه التشابه السياسية والأخلاقية في سياق علاقة أشباه الإقطاعيين العرب بالفلاحين والأجراء) .
- فقد تشكلت في المجتمعات العبودية والإقطاعية تصورات الناس الأخلاقية واختلطت عفوية الناس في هذه المجتمعات بالرؤية الأخلاقية للطبقات الحاكمة بما يعزز دورها وهيمنتها.
- وفي هاتين التشكيلتين ، أو ما يسمى بالعصور الوسطى، نسبت الأخلاق إلى الأديان وبما يتفق مع مصالح الطبقة السائدة ، وذلك عبر العديد من الفلاسفة (ابيقور ، وافلوطين ، واوغسطين ،والمدرسة السكولائية ، وروجر بيكون وتوما الأكويني ثم الأخلاق البروتستينية (مارتن لوثر وكالفن) .
النمط الثالث : الرأسمالية : وهو نمط علاقات التبعية المسيطرة على أفراد غير تابعين أو احرار في بيع قوة عملهم ، مستقلين ذاتياً من الناحية الحقوقية وتشكل هذه العلاقات عمليات الاستغلال الرأسمالي ، والأخلاق المسيطرة في المجتمع هي الأخلاق البرجوازية .
إن الأخلاق الجديدة – في المجتمعات الرأسمالية ، عبرت بوضوح عن المصالح الفردية للبورجوازية وشكلت أداتها الفكرية في تدعيم سيطرتها ، وهي تنطلق من أن الملكية الخاصة هي ماهية الإنسان الاجتماعي ، كما تنظر إلى نشاط رجال الأعمال على أنه مغزى الحياة البشرية وهدفها ، وترى فيه معيار كرامة الفرد وحب الرفعة والعدالة التي تعني هنا المنفعة المتبادلة ، أما الحرية فهي تعني حرية المنافسة الرأسمالية شرط لحرية الفرد .
والحقيقة أن جوهر الأخلاق البورجوازية يقوم على الفردية والأنانية [11] ، أنها أخلاق لا تعترف ، في العلاقات بين الناس ، إلا برابطة واحدة هي المصلحة العارية ، والمنفعة الخاصة والكسب الشخصي ، أنها الأخلاق التي تبرر الحروب وكراهية البشر ، وان الحق دائماً إلى جانب القوة ،كما يتبدى نفاق الأخلاق البورجوازية بالدعوة إلى "حقوق" الشخصية " وحريتها " التي يروجون لها اليوم في إطار حقوق الإنسان والديمقراطية وهي كلها تركز على الحقوق بالمعنى الفردي الرأسمالي وليس بالمعنى المجتمعي، ضمن سقف المصالح الإمبريالية المعولمة في المرحلة الراهنة ، وليست المنظمات غير الحكومية في بلادها الأم سوى واحدة من الآليات التنفيذية المروجة " لأخلاق " البورجوازية الليبرالية المعولمة في عصرنا ، إنهم يتحكمون في مقدرات شعوب وطننا العربي ويسلبون مواردنا ويقدمون الدعم لأنظمة الاستبداد في بلادنا في موازاة دعم هذه المنظمات التي تتحدث عن الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية في بلادنا ضد أنظمة القمع والاستبداد التي أقاموها .. وهنا تكمن المفارقة !!
إن الوعي الأخلاقي البورجوازي ، بتبريره الرأسمالية مضطر لتبرير العيوب والرذائل الناجمة عنها ، وهو يعتبر أن الإجراءات اللاأخلاقية شيئاً مقبولاً ، وضرورياً أحياناً ، أنه يتدنى إلى مستوى الكلبية cynicism التي تحتقر آداب وثقافة المجتمع وقيمه الروحية والأخلاقية [12] .
- فالمعروف إن البرجوازية بعد استيلائها على السلطة ، تسعى إلى ممارسة الحلول الوسط ليس فقط في السياسة بل و أيضاً في الأخلاق سواء عبر تحالفها مع بقايا الأرستقراطية أو إقامة أية تحالفات غير أخلاقية لكبح الحماس الثوري للجماهير ، هذه الصورة تتجلى بوضوح في بلدان وطننا العربي في التحالف الراهن لقوى البرجوازية الكومبرادورية والبيروقراطية الذي يعبر عن حالة الانكفاء نحو الأساليب الاستبدادية القديمة أو التوتاليتارية في إطار التخلف والتبعية و التطور المشوه.
النمط الرابع : الاشتراكية : التي ترث كل ما هو إيجابي في التجربة الأخلاقية للبشرية ، وتقوم على القطيعة النهائية مع أخلاق عدم المساواة الطبقية وعبودية الإنسان للإنسان ، وهي تستدعي حوافز إنسانية جديدة للتطور الأخلاقي للمجتمع والشخصية الاجتماعية .
الأخلاق العربية الاسلامية :
في تناولي لهذا العنوان ، أرى ان من المفيد الاشارة إلى حالة الاخلاق العربية الاسلامية الراهنة كامتداد تاريخي بالمعنى الجزئي ، ولكن الجوهري في بعض الجوانب ، مع المفاهيم والقيم الاخلاقية والمجتمعية التي سادت في التاريخ القديم وتواصلت مع التاريخ الحديث والمعاصر . اما المسألة الاخرى في هذا التناول ، فهي تعود إلى الفجوة بين ما تضمنته –وما زالت- اللغة العربية من مفاهيم ومعاني احتوت على كثير من المبالغات اللفظية في المدح أو الذم أو الشجاعة أو التفاخر ، رغم ان الواقع المعاش سواء في التاريخ القديم أو اللحظة الراهنة يتناقض كليا أو جزئيا مع تلك المضامين والمعاني ، وذلك يعود –من وجهة نظري- إلى طبيعة التطور الاجتماعي والاقتصادي المشوه تاريخيا وراهنا من ناحية ، وبتأثير التراث الغيبي وضعف نمو وانتشار الرؤى التنويرية أو العقلانية أو الحداثية بحكم قوة التخلف واحتجاز التطور من ناحية ثانية ، بحيث أدى كل ذلك إلى انتاج وترسيخ علاقات اجتماعية وقيمية جاءت انعكاسا طبيعيا لبنية التخلف في الواقع الاجتماعي العربي ، وبالتالي فإننا نلاحظ استمرار سيادة أو هيمنة هذه العلاقات أو الاتجاهات القيمية في الثقافة العربية حتى اليوم عبر مجموعة من الاتجاهات القيمية يحددها د.حليم بركات كما يلي [13] :
1. قيم القضاء والقدر وقيم الاختيار الحر .
2. الصراع بين القيم السلفية والقيم المستقبلية (في تعاملنا مع الحاضر هل نعود إلى الماضي ام نتوجه إلى المستقبل ..؟) .
3. قيم الإتباع أو التقليد والسلفية ، وقيم الابداع التي يقول عنها السلفيين أنها ليست من صفات الانسان بل من صفات الله وحده دون غيره ! .
4. قيم العقل وقيم القلب أو الصراع بين القيم العقلانية من منهجية وموضوعية وشك وبحث وتدقيق ، وبين القيم العاطفية من عفوية وبداهة وفطرة وايمان وارتجال ويقين .
5. قيم الامتثال والطاعة وصراعها مع قيم التمرد والتفرد والتحرر .
6. قيم الانفتاح على الآخر وقيم الانغلاق على الذات .
7. قيم احترام السلطة مقابل قيم التمرد عليها أو قيم التسليم بالأمر الواقع ، وقيم التغيير والرفض .
في ضوء ما توصل اليه د.حليم بركات ، نستنتج أن الاخلاق العربية لا تخرج عموما عن هذه الاتجاهات القيمية ، وهي اتجاهات مستمدة -كما اشرنا من قبل- من انماط المعيشة البدوية والفلاحية والمدنية ، ومن الدين والنظام القيمي المتوارث والسائد في المجتمعات العربية المعاصرة . فالقيم عند أهل البداوة -كما يقول د.حليم بركات- تتوزع على ستة اتجاهات قيمية هي "قيم العصبية القبلية (التضامن والتماسك الداخلي) وقيم الفروسية (البأس والشجاعة) وقيم الضيافة (الكرم وحماية المستجير) وقيم الحرية الفردية (الاستقلال والاباء النفسي) وقيم البساطة في المعيشة (الفطرة والتعفف وتحمل المشاق) وقيم الحشمة والتعقل (العقلانية الصارمة وكبت العواطف) أما قيم أهل الفلاحة ، فهي تشمل قيم التعلق بالأرض وقيم التكاتف العائلي وقيم التعاون والجيرة ، وشخصنة القيم الدينية ، وأخيرا القيم الطبقية (الاحساس العميق بالمكانة الاجتماعية أو الوجاهة والتنافس ، أما القيم الحضرية في المدن فهي تتوزع بين القيم التجارية (الربح والكسب المادي) والقيم الاستهلاكية [14] " . على أي حال فإن من المفيد الاشارة هنا إلى أن درجة تفاعل أوثبات هذه القيم مرهونة بالحراك الاجتماعي في خارطة الاوضاع الطبقية وتوزعها بين الشرائح الفقيرة والمتوسطة والغنية ، وكذلك الامر بالنسبة للقيم الدينية التي تختلف في المدن عما هي عليه بين اهل البادية واهل الفلاحة حيث يكون تأثير الدين في المدن اكثر قوة ورسوخا بسبب رسوخ ومركزية السلطة والمؤسسة الدينية فيها كما يشير بحق د.بركات .
وفي هذا الجانب يقول حسين مروة : "إن النظام الاجتماعي الاسلامي ، كنظام حكم استبدادي مطلق ، وكنظام اقتصادي : زراعي – تجاري ، كان فيه "الانسان" الذي يعمل في الأرض أو في الحرف أو الوظائف الصغيرة انسانا مهملا محتقرا مضطهدا بعيشه وطاقاته ومكانته ، إلى جانب ذلك كله كانت ايديولوجية النظام اللاهوتيه تلغي ارادة الانسان إلغاءا مطلقا لحساب الارادة العليا ، وهي هنا إرادة الخليفة ورؤوس الدولة" [15] .
وفي مقدمة الطبعة الأولى من "رأس المال" ، كتب ماركس في عام 1867 يقول : "إلى جانب الشرور الحديثة ، أو الآلام في العهد الحالي، علينا أن نتحمل سلسلة طويلة من الأمراض الوراثية الناتجة عن بقاء أساليب إنتاج بالية، تخطاها الزمن، مع ما يتبعها من علاقات سياسية واجتماعية أضحت في غير محلها زمنياً، والتي تولدها تلك الأساليب، ففي مثل هذه الأحوال، ليس علينا أن نعاني فقط الآلام بسبب الأحياء، وإنما بسبب الموتى أيضاً : فالميت يكبل الحي [16] " ، هذا التحليل الذي قصد به ماركس الدولة الألمانية آنذاك، ينطبق على الوضع العربي الداخلي عموماً، وعلى جوهر الأزمة الاجتماعية والأخلاقية فيه بشكل خاص .
والإشكالية الكبرى أن المجتمع العربي يتعرض اليوم لهذه الأحوال المأزومة بكل أبعادها، في اللحظة التي انتقل فيها العالم من مرحلة تاريخية سابقة، الى المرحلة الجديدة أو العولمة، بتسارع غير مسبوق، وبمتغيرات نوعية تحمل في طياتها، في الحاضر والمستقبل تحديات غير اعتيادية، لا يمكن امتلاك القدرة على مواجهتها إلا بامتلاك أدواتها العلمية والمعرفية أولاً عبر إحكام سيطرة الحي أو الحداثة والتنوير والعقلانية على الميت (الصحراء) أو التخلف والتبعية والانحطاط » فالاستلاب الأيديولوجي بشكليه السلفي والاغترابي هو أبرز الآليات الداخلية التي تعيد إنتاج التأخر، وتعيد إنتاج الاستبداد، وتحافظ على البنى والعلاقات والتشكيلات القديمة ما قبل القومية، فالعلاقة بين المستوى الأيديولوجي السياسي، والمستوى الاجتماعي الاقتصادي (والأخلاقي)، هي علاقة جدلية، تُحوِّل كلاً منهما الى الآخر في الاتجاهين، آخذين بالحسبان أيضاً أن المستوى السياسي محدد ومحكوم بطابع الوعي الاجتماعي السائد [17] " .
في ضوء ما تقدم فإن أزمة المجتمع العربي ومن ثم أزمة الأخلاق العربية الاسلامية ، تعود في جوهرها إلى أن البلدان العربية عموماً لا تعيش زمناً حداثياً أو حضارياً، ولا تنتسب له جوهرياً، وذلك بسبب فقدانها، بحكم تبعيتها البنيوية، للبوصلة من جهة، وللأدوات الحداثية، الحضارية والمعرفية الداخلية التي يمكن أن تحدد طبيعة التطور المجتمعي العربي ومساره وعلاقته الجدلية بالحداثة والحضارة العالمية أو الإنسانية.
فعلى الرغم من دخولنا القرن الحادي والعشرين ، إلا أننا –في البلدان العربية- ما زلنا في زمان القرن الخامس عشر قبل عصر النهضة، أو في زمان "ما قبل الرأسمالية" ، على الرغم من تغلغل العلاقات الرأسمالية في بلادنا، والشواهد على ذلك كثيرة، فالمجتمع العربي لم يستوعب السمات الأساسية للثقافة العقلانية أو ثقافة التنوير، بمنطلقاتها العلمية وروحها النقدية التغييرية، وإبداعها واستكشافها المتواصل في مناخ من الحرية والديمقراطية، ففي غياب هذه السمات يصعب إدراك الوجود المادي والوجود الاجتماعي والاخلاقي والدور التاريخي الموضوعي للقومية أو الذات العربية في وحدة شعوبها، ووحدة مسارها ومصيرها، إدراكاً ذاتياً جمعياً يلبي احتياجات التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي العربي ، والسبب في كل ذلك يتجلى عند رؤيتنا للفرق الزمني الذي يفصلنا كمجتمع عربي عن شكل ومضمون مفاهيم الحداثة والنهضة والتنوير العقلاني والتقدم ، التي نشأت في اوروبا منذ اكثر من مائتي عام ، والسؤال هنا ما هو -يا ترى- الفرق الزمني الذي يفصلنا عن الحضارة الغربية اليوم في عصر العولمة وثورة العلم والاتصالات والمعلومات؟؟ ألسنا بحاجة الى ثورة تغييرية تطال كل جوانب البنية المادية والمجتمعية العربية الكفيلة وحدها بازاحة التبعية وكل مفاهيم التخلف الاجتماعي والاخلاقي في بلادنا .
من ناحية أخرى ، فإن تحليل مفاهيم عصر الحداثة والتنوير والعقلانية والحرية سيقودنا إلى استكشاف عمق التباين بين مجتمعاتنا وبين المجتمعات الأوروبية، ليس فقط من حيث التطور الاجتماعي التاريخي وشكله ومحتواه، بل من حيث التطور المعرفي الذي تواصل في حركة متجددة صعودا في الغرب، في حين انه عاش في الشرق حالة انقطاع وجمود معرفي أو ضمن حلقة دائرية منذ القرن الثالث عشر الميلادي إلى يومنا هذا ، عبر استمرار سيطرة النظام القديم وأدواته ورموزه السياسية والاجتماعية، في ظل عوامل داخلية وخارجية مترابطة، أغلقت السبل في وجه كل محاولات النهوض أو محطاته في التاريخ العربي المعاصر .
فإذا كان واقعنا العربي على هذه الشاكلة من التخلف والتبعية والخضوع ، الى جانب التطور الاجتماعي الاقتصادي المشوه والقهر الوطني والقومي، كيف يمكن لهذا الواقع أن يتعاطى بصورة جدلية مع مفاهيم الحداثة والنهضة بالمعنى التاريخي والحديث والمعاصر؟ خاصة وأن هذا الواقع يعيش اليوم حالة يمكن تسميتها باعادة انتاج التخلف المادي والمعنوي الذي يستخدم بصورة مشوهه اشكال متعدده مما يسمى بالسلفية أو الاصولية التراثية أو الدينية البعيدة في معظمها عن جوهر الدين فيما يتعلق بمفاهيم العدل والحق والمساواة .
سؤال لا أدعي سهولة الإجابة عنه، فهذه الإجابة ستظل مرهونة بعملية تطور الواقع الموضوعي (الطبقي) المعاصر في بلدان الوطن العربي من جهة، وبنهوض الأحزاب التغييرية، اليسارية والقومية الديمقراطية النهضوية والعقل الجمعي الطليعي في هذه البلدان من جهة ثانية .
الإشكالية البالغة التعقيد التي تواجه قوى التغيير الوطني الديمقراطي في بلادنا، تتبدى في قوة الوجود المادي والمعرفي لمعطيات »الماضي« ورموزه التي مازالت ماثلة في الحاضر عبر تكيفها وتفاعلها معه في إطار عملية إعادة تجديد إنتاج التخلف، في أنظمة الحكم المطلق وعلاقاتها الاجتماعية، التي قد تختلف من حيث الأسلوب أو الشكل الأتوقراطي، الثيوقراطي،أو البيروقراطي / الكومبرادوري، لكنها خاضعة -بصورة عامة أو نسبية- لشروط التبعية من جهة، ولشروط اقتصاد السوق والخصخصة وقواعدها المنفلتة من جهة أخرى.
في ضوء ما تقدم ، لا أزعم أن بالامكان الحديث عن أخلاق عربية معاصرة نقيضه لمنطق الطاعة والامتثال والاستبداد باسم المفاهيم الشكلية التراثية القديمة ، كما لا أزعم وجود أخلاق عربية كرزمة فكرية واحدة أو متجانسة ، لانها على النقيض من ذلك مجموعة اخلاقيات موزعة ومنتشرة بصورة مختلفة في مجمل الاقطار العربية تجسد أو تعكس تطورها المحتجز وتخلفها وتبعيتها إلى جانب انقسامها إلى بنيتين فوقيتين الاولى تعكس مصالح الطغم الحاكمة في النظام العربي والثانية تعكس اخلاقيات الاطار الاوسع من الجماهير الشعبية الفقيرة والمقموعه والمضطهدة تاريخيا ، وتتعرض راهنا إلى اوضاع لا تحتمل ، ما يجعلها تندفع –في ظل غياب القوى اليسارية الديمقراطية الحاضنة- اما إلى الاحباط واليأس أو الالتحاق بالحركات الدينية أو الصمت أو الصبر على المعاناة في الدنيا والإعراض عنها وعن مغرياتها والالتزام بالتعاليم الدينية ونصوصها ضمانا للقبول في جنة النعيم في الآخرة [18] ، وهو ما ينسجم مع وجهة نظر ماركس الذي اعتبر "بأن الدين ليس العقيدة الايديولوجية للطاغية وحسب بل " تنهيدة المخلوق الخاضع" و "الوعي المقلوب لعالم مقلوب "، بان الحاجة لقمع الدولة ، والحاجة للعزاء الديني ، والحاجة لوعي زائف سوف تستمر مادام مصدرها المشترك ، أي المجتمعات الطبقية. و "مهمة التاريخ" تقوم على المضي فى سيرورة العلمنة التي باشرها التطور الراسمالي حتي اكتمالها لبناء مجتمع اشتراكي عقلاني تماما سوف "ينزع حجاب التصوف" و " لا يقدم للانسان سوى علاقات واضحة تماما وعقلانية مع بني جنسه ومع الطبيعة [19] " .
رغم كل ما تقدم ، فانني لا استطيع ان اتجاهل عن حقيقة الدور الذي يلعبه الدين حتى اللحظة في الثقافة العربية ، لكنه دور اقرب إلى الشكلية أو الاستخدام المصلحي للطبقة السائدة أو الحاكمة من ناحية أو كملاذ أخير لجماهير الفقراء والمضطهدين يلجؤون إلى الدين أو الحركات الدينية في ظروف الانحطاط الداخلي والهجمة الامبريالية الصهيونية التي أدت –إلى جانب عوامل ذاتيه- إلى اضعاف وتفكيك دور الاحزاب والقوى القومية واليسارية إلى حين .
من كل ما تقدم ، نستخلص بأن مفهوم الأخلاق ، هو مفهوم نسبي ، تطور حسب المراحل التاريخية ، والاوضاع الداخلية الطبقية لمجتمع معين في كل مرحلة من المراحل ، فالتطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي الذي حدث في سياق الانتقال من نمط اجتماعي اقتصادي الى آخر ، قاد ضمناً وعلى نحو مفصح عنه الى تحولات في البنية الأخلاقية ، القيمية معززاً الفكرة المركزية ، وهي أن كل نمط اجتماعي – اقتصادي يمتلك أشكاله ، وصيغة وطرائقه الأخلاقية . لكن هذا التطور البشري هو سلسلة متصلة الحلقات ، والحلقة الأخيرة هي ما نسميها بالفترة المعاصرة وما قبلها نسميها بالفترة الحديثة .
فمع ظهور النظرية العلمية الماركسية في تطور المجتمع ، تأكد بصورة واضحة إن المبادئ الأخلاقية لا يضعها الفلاسفة بصورة مجردة أو ذاتية ، وإنما تتشكل في مجرى التطور العام للمجتمعات البشرية .
وفي هذا الجانب فإننا نشير إلى المتغيرات النوعية ، الثقافية والاخلاقية التي أصابت مجمل الشعوب في هذا الكوكب بدرجات متفاوتة بتأثير ظهور وإنتشار نظام العولمة الرأسمالي نتيجة التقدم الهائل في علوم التكنولوجيا والإتصال وغير ذلك من مظاهر التقدم العلمي .
إنّ كل ذلك لا يلغي إقرارنا بهذا الحجم المتسارع لتطور البشرية (في ظل العولمة) الذي يفرض علينا ـ كفلسطينيين وعرب ـ التعامل مع المسألة الأخلاقية والثقافية عموما ، بصورة نسبية ، ولكن من منطلق حداثي ، عقلاني وديمقراطي صارم ، فالقيم الأخلاقية ليست أبدية ولا مطلقة، إنما هي نسبية تابعة لعملية التغير المستمر الذي يؤثر في دوافعها الاجتماعية والبيولوجية والفيزيولوجية وغير ذلك من الدوافع .
- وبالتالي فإن فهمنا لنسبية هذه القيم يدعونا إلى تأمل المتغيرات التي تصيب الجوانب المادية والعلمية والمعرفية ، والتعامل معها بصورة حضارية – عقلانية ، وتكييفها بما يتفق مع ضرورات التطور المنشود لواقعنا الراهن ،مع إقرارنا بأن هذا التقدم العلمي الهائل في ميدان البيولوجيا والهندسة والصفات الوراثية والاستنساخ وعلم الأجنة كما في ميدان تكنولوجيا المعلومات ،من شأنه أن يؤدي إلى نتائج تتعارض مع القيم الأخلاقية –الموروثه والسائده- في جميع المجتمعات المتخلفه والتابعه عموماً ، ومجتمعنا العربي الإسلامي على وجه الخصوص .
فعلى سبيل المثال ، إن إمكانية تغيير " جنس الكائن البشري من ذكر إلى أنثى أو العكس ،وإمكانية التحكم في جنس المولود وفي ذكائه وقدراته العلمية ، وعملية الاستنساخ التي أثارت علامات الاستفهام على جوانب أخلاقية كانت تنتمي إلى " اللامفكرفيه "أو إلى دائرة " الممتنع " الذي لا حكم له كما يقول الفقهاء .
كل هذا يثير المخاوف والهواجس بشكل جدي في أوساط الوعي البسيط أو العفوي، ولكننا –في نفس الوقت –لا نستطيع أن ننكر ما توفره هذه الاكتشافات العلمية من إمكانات هائلة للبشر سواء أمام آفاق البحث العلمي أو في مجال نشر المعرفة وغير ذلك من التسهيلات المتنوعة والسريعة في الاقتصاد والإعلام والثقافة ، بما يجعل من هذه الاكتشافات من أهم الوسائل أو المقومات الضرورية لعالم اليوم والغد .
إن التحدي المتزايد الذي يسببه العلم وتطبيقاته للأخلاق والقيم عموماً ، في بلدان الوطن العربي راهناً ، يفرض علينا العمل بصور جديه ومتسارعه لاكتساب " الأدوات والأسس المادية والمعرفية لدخول عصر العلم والثقافة وفي مقدمتها العقلانية والديمقراطية .
مفهوم الأخلاق في الحزب الماركسي : اذا كنا نتفق أن الحزب هو التنظيم السياسي الذي يهدف إلى الوصول إلى السلطة. وهو بأيديولوجيته وطريقة تنظيمه، وببرنامجه السياسي يمثل طبقة من الطبقات الاجتماعية التي تجمعها نفس المصالح. فإن السؤال الملح الذي لازال يبحث له عن جواب منذ الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي سابقا، و مرورا بمختلف الثورات في الصين وكوريا، والفيتنام، وكوبا وغيرها من بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وإلى يومنا هذا هو : ما هو الحزب الثوري ؟ هل هو الحزب الذي يعمل في ظل "شرعية" أنظمة التخلف والتبعية والقهر بمختلف مسمياتها في بلداننا العربية ، في إطار نظام عشائري أو إقطاعي ، أو ثيوقراطي أو أوتوقراطي أو بورجوازي مشوه ؟ هل هو الحزب الذي يختار السرية أم العلنية أم كلاهما؟ هل هو الحزب الذي يستمد قوته من جهات و تجارب خارجية أم يستمد هذه القوة من الجماهير المفترض انه يعبر عن مصالحها؟ هل هو الذي ينفرز عن حركة تحريرية وطنية تاريخية منغلقة على نفسها ؟ أم هل هو الذي ينفرز عن حركة تحرر وطنية ديمقراطية منفتحة على كافة قضايا المجتمع الداخلية من جهة وعلى مختلف الحركات التحررية الديمقراطية اليسارية، ومتفاعلة معها من جهة أخرى ؟ إن إشكالية الحزب الثوري هي إشكالية لازالت قائمة وستبقى قائمة، وعلى الفكر الاشتراكي العلمي أن لا يقف عند المسلمات أو المقولات الجاهزة، بل عليه أن يعمق البحث في هذا الموضوع، وأن يستفيد من مختلف التجارب الثورية في التاريخ، وإلا فإن حركة التحرر الوطنية الديمقراطية ستضل الطريق. يعترف الجميع اليوم "أن عبارات الحزبي والرفيق والمناضل والثوري وما في سياقها قد أصابها غير قليل من التشويه، إلى انحطاط الأخلاق السياسية، وشحوب ، الفضائل الحزبية بوجه عام.
المسألة، كما تبدو لنا، ليست مسألة عيوب أخلاقية في الأشخاص فحسب ، بل مسألة عيوب أخلاقية في النظام السياسي والمجتمعي الذي ينتج العيوب الأخلاقية، ويهدر الكرامة الإنسانية، ولا يقوى ولا يستمر إلا بقدر ما يدمر ذاتية الأفراد وحريتهم واستقلالهم، لأنه قائم على التبعية والولاء الشخصي، لذلك كانت النزاهة والحرص على المال العام والشأن العام والعمل بمقتضى القانون محنة على من ظلوا ممسكين بها، كالممسكين بالجمر [20] ".
ما دامت المسألة كذلك، أي مسألة نظام ينتج العيوب الأخلاقية، فإن إعادة إنتاج النظام الأخلاقي المجتمعي والخروج من بؤرة الفساد والإفساد تبدأ بإعادة الاعتبار للنضال الوطني و للقانون الديمقراطي، الذي يسري على الحاكمين والمحكومين بلا استثناء .
هنا تجدر الإشارة إلى أن الديمقراطية التي ننشد هي ديمقراطية إنسانية ينمو فيها العنصر الأخلاقي / الإنساني طرداً مع نمو العدالة الاجتماعية. فالعدالة هي التجسيد العملي للمساواة.
إن الاقتناع بصحة القضية النضالية التحررية والديمقراطية يطور في الفرد صفات اخلاقية إرادية كالشجاعة، والصلابة، ورباطة الجأش، وروح المبادرة، والعناد والمثابرة في بلوغ الهدف المنشود، ويثير المزاج المعنوي الفرح المتفائل، بين جماهير الناس، وتعاظم المودة والعطف والحاجة إلى توطيد العلاقات الاجتماعية والسياسية .
إن الأخلاق الثورية لا تعكس وضعاً معيناً في النضال الاجتماعي، والظروف الموضوعية لتقدم مسار النضال الوطني والديمقراطي وحسب، بل تبرز كذلك كقوة تتجسد في سلوك الجماهير .
ولكن اذا ما تعرض الحزب الثوري أو اليساري الماركسي إلى عوامل وتراكمات الازمة الداخلية في صفوفه ، فإن الأزمة الأخلاقية الفعلية ، تبلغ ذروتها بسبب استمرار مفاعيل و تراكمات هذه الازمة (عبر رموزها) طالما بقي الحزب عاجزا عن الخروج منها ، حيث تتراجع المبادئ وتختل قواعد التنظيم ، ويسود منطق الشللية و التكتل وانزلاق بعض الرفاق إلى مستنقع الانتهازية التي تتجلى في كسب الأنصار بأية طريقة كانت ، فتتراجع النظرة الموضوعية، كما تتراجع الثقافة النظرية، والهوية الفكرية للحزب ، ويصبح الانجرار وراء الأشخاص، لا التمسك بالمبادئ، هو السائد، ويغيب النقد والنقد الذاتي. ولذلك فان المهمة الأكبر التي تواجه الحزب المأزوم هي الكيفية التي يواجه بها هذه النزعة الخُلُقية الشائنة المتفشيه في صفوفه .
وفي مثل هذا الوضع ، يصبح المطلوب من هذا الحزب أن يكون أكثر قدرة وأكثر حزماً في التصدي لمظاهر الازمة وادواتها رغم الظروف الصعبة التي يمكن ملاحظتها ليس فقط فيما يتعلق بقضايا الاختلاف السياسي والفكري فحسب بل في تلك الممارسات الشللية والتكتلات الانتهازية واللاأخلاقية التي تعزز دوما بقاء ازمة الحزب بكل تراكماتها ورموزها التي تسد الطريق على خروجه من الازمة صوب النهوض . وبالتالي فإن كل هذه المؤشرات والمظاهر والممارسات السيئة تفرض على كافة اعضاء وكوادر وقيادة الحزب أن يعملوا على إعادة ترسيخ القيم الثورية (السياسية والفكرية والتنظيمية) التي بني على اساسها ودرج عليها بما يتوافق مع روحه الكفاحية العالية ومع مواقفه المبدئية الثابتة .
وفي هذا الجانب فإن علم الأخلاق الماركسي، يعتبر الأخلاق عاملاً ثورياً داخلياً، يضمن وفق آليات نظام الحزب الداخلي، توفير السبل التنظيمية لعلاج أي ازمة داخلية، منذ لحظة ظهورها، عبر المحاسبة التنظيمية الديمقراطية لشخوصها منعا لانتشارها أو تغلغلها ، وفي حال فشل كل المحاولات العلاجية تصبح الخيارات ضعيفة ومحصوره اما في استشراء الازمة ورموزها أو تطهير صفوف الحزب منهم على قاعدة ان الحزب الثوري يقوى بتطهير نفسه ، وعند ذلك يمكن للحزب ان يتفرغ وينجح في تعبئة الجماهير من أجل اهدافها الوطنية أو من اجل تحسين الشروط الموضوعية لحياتها ومن أجل تحسين نفسها بالذات، وبلورة دافعيتها الذاتية ووعيها بمشاعرها وعواطفها وأفكارها وباضطهادها وظلمها الوطني والطبقي، ومقاصدها ودوافعها ومثلها العليا ، وبدون توفير هذه الشروط تستحيل أية ثورة تحرر وطني أو أية ثورة اجتماعية ديمقراطية ، ذلك أن الأخلاق الثورية هنا تؤكد نفسها من خلال تقدم المسار الثوري الوطني والديمقراطي حيث يعكس هذا التقدم تفاؤلا عميقا بحتمية النصر تتعزز معه الاخلاق الثورية في صفوف اعضاء الحزب وجماهيره .
إن البحث وتعميق النقاش حول مفهوم الحزب الثوري مهمة المثقفين . لكن من هم المثقفون الذين توكل إليهم هذه المهمة ؟ إننا نعرف أن المثقفين يتفاعلون مع مختلف الأيديولوجيات : الدينية أو الليبرالية الجديدو أو الاشتراكية العلمية ، بل قد ينتجون أيديولوجية تلفيقية انتهازية إصلاحية تضليلية لتغطية الطبيعة المتذبذبة للشريحة الاجتماعية التي ينتمون إليها، ولكن قد ينفرز في صفوف المثقفين من يتصدى للتنظير في إطار أيديولوجية معينة إما عن قناعة، أو مقابل هبات أو رشاوى أو مصالح خاصة يتلقاها المثقف من هذه الجهة أو تلك فيتحول إلى مثقف الليبرالية الجديدة ، أو البورجوازية عبر منظمات NGO S ، أو مروجاً للأيديولوجيات التلفيقية او ايديولوجية السلطة الحاكمة او العشيرة او العائلة ، وتبقى عينة واحدة هي التي يمكن أن تتصدى للبحث في مفهوم الحزب الثوري من اجل التصدي السياسي والديمقراطي لكل هذه الاصناف من "المثقفين" . هذه الفئة التي سماها لينين بالمثقفين الثوريين وسماها غرامشي بالمثقفين العضويين الذين اختاروا الانحياز إلى الفقراء والكادحين عموماً والطبقة العاملة خصوصاً والذوبان فيها، أو افرزتهم الطبقة العاملة من بين صفوفها للتعبير عن فكرها والدفاع عن مصالحها. فالمثقف الثوري أو العضوي هو المثقف الذي يختار الانحياز إلى الحزب الثوري، ينتمي إليه، ويعمل على تنظيمه، ويصوغ برامجه الإستراتيجية والمحلية، ويعمل باستمرار على تفعيله في صفوف الجماهير التي يتم تفعيل الحزب في صفوفها ؟
في ضوء ما تقدم ، فإن صياغة فكرة الحزب من حيث شكلها ومضمونها -بالنسبة لنا في الجبهة الشعبية- التي نعمل بموجبها وفق نظامنا الداخلي لا تتجاوز حتى اللحظة التعريف العام للحزب كما صاغه لينين في " ما العمل ؟ " وهو تعريف قابل للتطوير وفق المتغيرات الراهنة أو المستقبلية التي قد تستدعي ذلك التطوير .
إن جوهر التعريف اللينيني للحزب يقوم على أن ، الحزب هو جهاز ضمن المجتمع يتفاعل معه، ولهذا الجهاز مركزه، الذي يقوم بإرسال إشارات إلى الهيئات الحزبية التي تتلقى بدورها الإشارات وتنقلها للمجتمع وتختبر صحة الإشارة ثم تدققها وتعيدها إلى المركز عندها يستقبل المركز هذه الإشارة ويعيدها بشكل أدق وأصح بحيث تحقق هدفها.
وهذا يعني أن لينين صنع جهاز إرسال واستقبال لكي يؤثر في العمليات الجارية في المجتمع. من هنا يمكن أن نستخرج تعريفاً معاصراً لمفهوم الحزب كما يلي:
- هو الإطار السياسي الأيديولوجي المنظم الذي يملك الإجابات على الأسئلة التي تشغل الناس في بلادنا عموماً, والفقراء والكادحين منهم بصورة خاصة, ويملك رؤية أيديولوجية طبقية واضحة, وأهدافاً إستراتيجية إنسانية وقومية ووطنية من ناحية وديمقراطية مطلبية محددة قابلة للتحقيق من ناحية ثانية, وفق خطط وأساليب تكتيكية تخدم إستراتيجيته, وآليات تنفيذية ولجان متخصصة وإدارة عصرية تعتمد على العلم والمفاهيم العلمية الحديثة في الاتصال والمعلومات والعلاقات الداخلية (الرفاقية والدافئة) ولضمان هذه العملية يجب تفعيل وتعميم الوعي بالقضايا الأيديولوجية للحزب كصمام أمان للقضايا التحررية الوطنية والديمقراطية المطلبية, والقضايا القومية والإنسانية الأممية، انطلاقاً من ضرورة وعينا بأن "لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية" وإن الممارسة وحدها هي التي تدل على الوعي بالنظرية.
فإذا كفّت أيديولوجيا الحزب عن الاستجابة لما يرغب ويفكر به الرأي العام ويعبر عن مصالحه وطموحاته فإن الحزب يفقد تأثيره تدريجيا.. وهنا نفهم أهمية معنى أن يكون الحزب قائما بدور المثقف الجمعي وهنا أيضاً يأتي دور المثقف الحزبي الذي يرى في ذاته مسؤولاً عن سلامة الحزب وصحة النظرية والبرنامج .. لان قوة الايدولوجيا أو قوة الأفكار هي القادرة على غسل الحزب من كل أمراضه البيروقراطية والشللية والانتهازية وكل اشكال الانحراف .
- أما بالنسبة لتعريف حزبنا, جبهتنا فهي حزب سياسي كفاحي يعمل لتوعية وتنظيم وقيادة الجماهير الفلسطينية من اجل استعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية (حق العودة والاستقلال والدولة) ويناضل من اجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، كما يناضل من أجل مجتمع اشتراكي خال من الاستغلال قائم على المبادئ الديمقراطية والانسانية على طريق تحقيق مجتمع عربي اشتراكي موحد.
وفي هذا السياق ، يتوجب علينا ان ندرك أن كلمة الجماهير فضفاضة غير محددة المعالم ، لذلك يطرح علينا أولا وأخيرا تحديد نوعية الجماهير التي يعمل المثقف الثوري أو العضوي على تفعيل الحزب الثوري في صفوفها، فنحن في مجتمع كالمجتمع الفلسطيني محكوم بقوة الاحتلال الصهيوني وأنظمته وقوانينه الإكراهية العنصرية من جهة ومحكوم أيضاً بنظام سياسي مشوه (بسبب اتفاقات أوسلو وما تلاها) ومفكك ومنقسم ومتصارع على السلطة والمصالح - بين حركتي فتح وحماس - تختلط فيه أنماط التخلف العشائري/القبلي والعلاقات الرأسمالية التابعة والمشوهه ذات الطابع البيروقراطي والكومبرادوري من جهة ثانية، مجتمع تتجاور فيه -كوجود ملموس- الفئات والشرائح الاجتماعية الكادحة والفقيرة من العمال والفلاحين والشرائح الفقيرة من البورجوازية الصغيرة التي تخضع جميعها ليس فقط للممارسات العدوانية الصهيونية بل أيضاً لمظاهر المعاناة والفقر والبطالة الناجمة عن الحصار الصهيوني من ناحية وعن الإنقسام الفلسطيني الراهن الذي ادى إلى عزل الضفة عن قطاع غزة من ناحية ثانية. وفي هذا السياق أشير إلى الطابع الإستغلالي اللاأخلاقي البشع الذي يمارسه عدد غير قليل من التجار عموماً وتجار قطاع غزة خصوصاً عبر إستغلالهم للحصار ورفعهم للأسعار بصورة فاحشة علاوة على ممارستهم للعديد من أشكال التزوير والغش في البضائع المطروحة في السوق بحيث بات هدف هذه "الطبقة " في بلادنا هو تحقيق الربح الطفيلي الفاحش عبر هذا الأسلوب الذي يؤكد على طبيعتها اللاوطنية واللاديمقراطية والذي تكمن مخاطره في تراكم المزيد من عوامل الإحباط والمعاناة في أوساط جماهير شعبنا الفقيرة التي تعاني الأمرين منها، إلى جانب معاناتها من الممارسات العدوانية للمحتل الإسرائيلي ومن استبداد اجهزة السلطة في رام الله وفي غزة مع اختلاف الدرجات بينهما. الامر الذي يفرض علينا في الجبهة القيام بكل واجباتنا الاخلاقية والثورية اتجاه هذه الجماهير الكادحة عبر فضح ومحاسبة كل رموز الفساد، وعبر تفعيل دور حزبنا الثوري في أوساط العمال و الفلاحون الفقراء، و المعدمون، و العاطلون ، و أشباه العاطلين والتلاميذ و الطلبة ، و الشرائح المتضررة من البورجوازية الصغرى والمتوسطة. فهذه الجماهير هي وحدها التي لها المصلحة في التغيير الديمقراطي لمجتمعنا، ويبقى التساؤل : من يقود الجماهير الكادحة نحو الهدف الاستراتيجي؟ والجواب : نحن في الجبهة الشعبية نتحمل المسئولية الاولى في هذا الجانب ، من حيث توفير الآليات والسبل الكفيلة بالالتحام بالطبقات الشعبية الفقيرة وتوعيتها وتنظيمها بما يعزز في صفوفها الوعي الذاتي بأن مقاومة كل اشكال العدوان والاضطهاد والاستغلال لا تكون إلا بواسطة التنظيم الذي يقود الطبقة العاملة التي تنتظم في إطاره لتحقيق الاهداف الكبرى في التحرر الوطني والديمقراطي .. إنه بصراحة شديدة ودون مغالاة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، ارتباطاً بما تجسده من مبادئ ومقومات الحزب الثوري عبر برنامجها المرحلي ورؤيتها الاستراتيجية من ناحية ولما لها من تاريخ نضالي متميز جعل لها مكانة متقدمة تاريخياً في ذهنية قطاع واسع من جماهير شعبنا من ناحية ثانية.
وفي هذا الجانب، لابد أن نشير إلى أننا في الجبهة نرفض اعتبار الحزب الماركسي الثوري بأنه حزب انقلابي، إنه الحزب الذي يعتمد على الجماهير ذات المصلحة في النضال التحرري والتغيير الديمقراطي، وهو حزب ، لا يعتمد على النخبة في نضاله التحرري أو في نضاله من أجل الاستيلاء على أداة السيطرة الطبقية : الدولة. فبوصول الحزب الثوري إلى تحقيق أهدافه الوطنية، ومن ثم التحكم في أداة السيطرة الطبقية يُسَخّر هذه الأداة في خدمة الطبقات ذات المصلحة في التغيير .
وهنا يمكننا أن نوضح الأسس التي يقوم عليها الحزب الثوري وهي :
1. الأساس التنظيمي : بدون هذا الأساس لا يمكن أن يوجد اصل للحزب اليساري الماركسي. و الأداة التنظيمية هي الحزب الثوري، و تتشكل أساسا من العناصر الأكثر وعيا من الطبقة العاملة، و من حلفائها الطبقيين كالفلاحين الفقراء و المعدمين، والمثقفين الثوريين، و الشرائح المتضررة من البورجوازية الصغرى، و العاطلين و أشباه العاطلين. و التنظيم يعتبر أداة و وسيلة في نفس الوقت، أداة تجمع الشرائح الأكثر وعيا، و تطور وعيهم، و ترسم خططهم و تراقب حركتهم ، و تفعلهم في أوساط الجماهير الكادحة.
2. الأساس الأيديولوجي أو الفكري : نظرية الحزب الثوري باعتباره حزبا للطبقة العاملة لا يمكن أن تكون إلا النظرية الماركسية أو الاشتراكية العلمية بشقيها : المادية الدياليكتيكية، و المادية التاريخية في تطبيقاتها على واقعنا الوطني الفلسطيني والقومي العربي، و المناضل المنتمي إلى الحزب الثوري لابد له من التسلح بهذه النظرية ومنهجها ، و لابد من الاستفادة من مختلف التجارب من اجل رسم برنامجه السياسي المرحلي، و تحديد هدفه الاستراتيجي، و المناضل الذي لا يتسلح بالماركسية يبقى عرضة للأخطار و المنزلقات الفكرية ، و خاصة منها ذات الطبيعة الإصلاحية الليبرالية أو اليسارية العدمية والانتهازية . و لذلك ، فإن تحقيق وحدة الهوية الفكرية و تعميقها في أذهان رفاقنا لا يتم إلا عن طريق التسلح المستمر بالفكر الاشتراكي العلمي بهدف تحقيق المستوى الفكري المتقدم والناضج وما سيعكسه من أثار ايجابية جداً بالنسبة لوحدة هوية حزبنا الفكرية إلى جانب وحدة بنية الحزب الداخلية التي تصير خميرة فاعلة في الواقع الاجتماعي و في مختلف المجالات مما يؤدي إلى توسيع قاعدة الحزب على مستوى الكم و على مستوى تغلغله في مختلف قطاعات المجتمع .
3. الأساس السياسي : وهو مدخل كل رفاقنا في الجبهة للارتباط بالجماهير عبر فهمنا واستيعاب لمضمون شعارنا : التحرر الوطني والديمقراطي بالارتباط العضوي مع حركة التحرر القومي العربية ، وبالتالي فإن فهمنا في الجبهة لهذا الاساس السياسي هو تجسيد لممارساتنا في اطار حزبنا على الصعيد الوطني التحرري وعلى الصعيد الديمقراطي الذي يمس كافة الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية والقانونية وقضايا المرأة والشباب والنقابات والعمل الجماهيري عموماً، التي تشكل في مجملها منظومة من الحقول التي يصعب الفصل بينها، و التي تتحدد في إطار برنامج الحزب السياسي المرحلي، و الاستراتيجي. ولذلك فالحزب الثوري يبلور مواقف سياسية مرحلية تتناسب و الشروط الموضوعية المتغيرة، كما تتناسب و إرادة الجماهير الشعبية الكادحة، بحيث لا تمر مناسبة دون أن يحدد الحزب الثوري موقفه منها، انطلاقا من البرنامج العام الذي ترسمه هيآت الحزب المقررة ، و الذي يشرح الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية محددا موقف الحزب منها، و طارحا البديل الذي يعمل المناضلون الحزبيون على تحقيقه من خلال عملهم في مختلف المنظمات الحزبية و الجماهيرية.
أما المبادئ الأساسية للحزب الماركسي الثوري : فهي تتحدد وتاخذ أسسها من المقولات التالية : 1) النقد و النقد الذاتي. 2) المحاسبة الفردية و الجماعية. 3) خضوع الأقلية لرأي الأغلبية وفق مبدأ المركزية الديمقراطية. 4) القيادة الجماعية. بالإضافة إلى مبادئ النظرية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي الذي يمدنا بأدوات التحليل العلمي الملموس للواقع الملموس. وفي هذا السياق فإن العلاقة بين المركزية و الديمقراطية هي علاقة جدلية، و لا يمكن للحزب الثوري أن يكون مركزيا صرفا، و لا ديمقراطيا صرفا. لأن ذلك قد يؤدي به إلى التفكك أو التشرذم الحلقي الذي يشكل خطرا على الحزب كما يحصل في العديد من الأحزاب ذات التوجه الديمقراطي الإصلاحي أو الليبرالي. أما بالنسبة للنقد و النقد الذاتي فلابد من هذه الثنائية، فالنقد يعني الكشف عن الخطأ في الممارسة النظرية و العملية وفق منهج دقيق قائم على التحليل العلمي للوقائع و الأحداث بشقيها النظري و العملي قصد حماية الحزب مما قد يتسرب إليه من ممارسات نظرية أو عملية يمينية انتهازية أو يسارية مغامرة . و بذلك يكون سلاح النقد وجيها، و ضروريا شرط الابتعاد به عن الذاتية التي قد تسقط التنظيم في صراعات هامشية .
إنّ َ الغاية من النقد و النقد الذاتي بالنسبة لنا في الجبهة الشعبية هي الدفع بحزبنا إلى الأمام حتى يلعب دوره اكثر في الساحة الجماهيرية من ناحية وتعزيز العلاقات الرفاقية الجماعية الدافئة داخل الحزب من ناحية ثانية، انطلاقاً من ايمان وقناعة كل رفيقة ورفيق في حزبنا بالاضرار الناجمة عن القيادة الفردية او الرؤية الاحادية الجانب او القرارات الفردية، فالقيادة لا تكون إلا جماعية، و القرارات تتخذ في إطار هيآت تمثل مجموع أفراد الحزب قمة و قاعدة. والتنفيذ ملزم لجميع المنتمين إلى الحزب ، فالقيادة الجماعية هي التعبير الفعلي عن ثورية الحزب لأنها تقطع الطريق أمام تضخم الأنا الذي يعد مرضا مزمنا يصيب قادة أحزاب البورجوازية، كما يصيب قادة اليسار المغامر، من هنا تكمن الاهمية القصوى لتطبيق مبدأ القيادة الجماعية التي تفسح المجال أمام جميع المناضلين للتمرس على القيادة من الخلية، إلى الرابطة الى قيادة المنطقة والفرع واللجنة المركزية العامة و م.س، لأن الضوابط هي نفسها، و لا يميز بينها إلا طبيعة المهام الموكولة لكل مرتبة أو هيئة. فالقيادة الجماعية هي تكريس للثورة الدائمة على الأفراد المصابين بالنزوع نحو الاستبداد بأمور التنظيم، و على مختلف أشكال الانحراف التنظيمي و الأيديولوجي و السياسي. على أن هذا التوجه لن يتحقق بدون تطبيق شروط القيادة الجماعية التالية :
1) امتلاك الرؤيا الشمولية للأمور السياسية والاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية على المستوى الوطني والإقليمي و القومي و العالمي. و هذه الرؤيا لا تتأتى إلا بالتشبع بالفكر العلمي و التمرس على توظيف وتعميم المنهج العلمي (المادي الجدلي) بصورة مبرمجة عبر الدائرة الفكرية المركزية على جميع هيئات ومراتب الحزب، إلى جانب تشكيل وتفعيل قوام كافة الدوائر المركزية المحيطة بالقيادة (م.س) .
2) القدرة على امتلاك آليات الصراع في مختلف مستوياته، لأنه بدون امتلاك هذه الآليات لا تستطيع القيادة إدارة الصراع الوطني التحرري مع العدو الاسرائيلي كما لا تستطيع ادارة الصراع الطبقي في المجتمع، وبالتالي لا تستطيع قيادة الشعب الكادح نحو انتزاع حقوقه .
3) القدرة على كشف و إحباط مختلف المخططات التي يقوم بتدبيرها العدو الصهيوني أو أجهزة السلطة الحاكمة وأحزابها، وكذلك امتلاك القدرة على المواجهة والازاحة أو العزل –بصورة ديمقراطية وتنظيمية- لكافة رموز الشللية والتكتلات الحزبية، وأخيراً القدرة على كشف ممارسات المتآمرين أمام الجماهير الكادحة لاشراكها، و لجعلها تساهم بشكل فعال في حماية حزبها الثوري حتى لا يبقى هذا الحزب مفصولا عن جذوره الطبقية .
4) القدرة على امتلاك احترام و تقدير المناضلين الحزبيين الذين يقفون وراءها، و هذا الاحترام و التقدير لا يتأثر إلا بالتزام القيادة بالقرارات المعبرة عن إرادة و رغبة المناضلين مما يشعر كل عضو في الحزب انه ليس تابعا لتلك القيادة أو مستزلماً لأحد افرادها، بقدر ما هو عضو في الحزب يساهم في التقرير و التنفيذ.
5) الحرص على امتلاك أداة أو أدوات إعلامية حزبية جماهيرية (صحافة/اذاعة/فضائية) تمكن الحزب من امتلاك مكانة مرموقة بين الجماهير، و تجعل مواقف الحزب من مختلف القضايا معروفة في أوساط الجماهير الكادحة (وفي هذا الجانب فإننا ندعو الى عقد لقاء لكافة القوى والاحزاب اليسارية في بلدان وطننا العربي لدراسة امكانية تأسيس فضائية للقوى اليسارية والقومية العربية)
6) القدرة على ضبط التنظيم و تحريك مختلف الهيئات بصفة مستمرة و تجنيدها في الشروط الموضوعية الدقيقة التي تقتضي عملية التجنيد تلك حتى يستطيع الحزب الاستفادة من مختلف المحطات النضالية التي تقوم بها الجماهير الكادحة.
7) العمل على تصريف البرنامج المرحلي عن طريق خلق الشروط الموضوعية، أو إنضاج ما هو موجود منها بهدف استنفاذه، و الوصول بالحزب إلى ضرورة صياغة برنامج مرحلي آخر يناسب الشروط الجديدة، و يكون أرضية لتحريك الجماهير الكادحة و التسريع بنضالاتها نحو تحقيق الهدف الاستراتيجي.
في ضوء كل ما تقدم ، تتضح لنا الطبيعة الثورية لحزبنا الماركسي .. لجبهتنا الشعبية وذلك للاعتبارات التالية :
1) لأنه حزب كل الفقراء والكادحين والمضطهدين عموماً و الطبقة العاملة خصوصاً باعتبارها طليعة الشعب الكادح.
2) لأنه يتبنى النظرية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي ومضمونها الاشتراكية العلمية.
3) لأنه يعتمد نظاماً داخلياً حزبياً تم اقراره بصورة ديمقراطية في مؤتمراتنا الوطنية، وهو نظام قابل للتطوير والتعديل وفق متطلبات ومصالح الجبهة.
4) لأنه يتبنى مبدأ المركزية الديمقراطية.
5) لأن العلاقة بين مناضليه قائمة على مبدأ النقد و النقد الذاتي، وخضوع الأقلية لرأي الأغلبية، و القيادة الجماعية.
6) لأن برنامجه يأخذ بعين الاعتبار المطالب الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية لسائر الكادحين بقيادة الطبقة العاملة.
7) لأنه يسعى على المدى البعيد إلى تقويض الهياكل القائمة، و إقامة هياكل نقيضة لجعل السلطة في خدمة الكادحين.
8) لأنه يناضل من اجل أن يتمتع الكادحون بمختلف الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية التي هي جوهر الممارسة الديمقراطية.
9)لأنه يربط في نضاله بين التحرير و الديمقراطية و الاشتراكية ربطا جدلياً على الصعيدين الوطني والقومي معاً وفي الاطار الإنساني والأممي.
10) لأنه يسعى مع كل القوى اليسارية الماركسية العربية إلى تقويض العلاقات الاستغلالية -في فلسطين وكل ارجاء الوطن العربي- كيفما كانت طبيعتها، و إقامة علاقات الإنتاج الاشتراكية مكانها.
على أنه في سبيل تحقيق هذه الرؤية بالنسبة إلى وجود الحزب الثوري، لا بد من التطبيق الخلاق للمفاهيم الاخلاقية، التربوية، السياسية والتنظيمية والفكرية والكفاحية التي يتوجب علينا في الجبهة الاستناد اليها وهي :
الأخلاقيات الحزبية :
هي مجموعة المبادئ والقواعد التي يسترشد بها العضو في سلوكه الخلقي وتصرفاته, و يطلق عليها الآداب الحزبية (وتشمل وجهه نظر وموقف الجبهة) التي يتوجب أن يتمتع بها جميع الرفاق, فمثلما لكل حياة اجتماعية اعرافها وعاداتها المرتبطة بقيم الصدق والشرف والتكافل والنخوة والنزاهة والكرم والاحترام والشجاعة في الموقف, فإن هذه المسألة تنطبق علينا أيضاً في الجبهة للتعبير عن أفكارنا ومواقفنا وقيمنا الثورية , إنها مجموعة الأخلاق الرفاقية, السياسية والفكرية والاجتماعية القائمة على مفهوم الصلابة والشرف الحزبيين من ناحية والوثيقة الصلة مع الجماهير من ناحية ثانية, مستلهمين المبادئ الأخلاقية التي جسدها العديد من شهداء وأسرى ومناضلي حزبنا ، إن الإقتداء بهذه الأخلاق يعني بالنسبة لكل عضو أن يتصرف على الدوام بما يتلاءم مع المتطلبات الحزبية نصاً وروحاً, والالتزام الواعي والمخلص بمبادئ وأفكار الحزب عبر ممارسة -علنية أو سريه- لا تلقي أي ظل من الشك على شرف الحزب أو لقب الرفيق, بل بالعكس تجسد مشاعر كل رفيق منا بكونه جاء باختياره الحر, لكي يكون مناضلاً في حزب عظيم من أجل أفكار عظيمة .
السمات الأخلاقية لعضو الجبهة :
انها الأركان والصفات الأخلاقية التي تتجلى في سلوك الرفيق ، إن السمات الأخلاقية للرفاق شأن السمات الأخلاقية لجميع المناضلين ، تتحدد ، قبل كل شيء ، بمبادئ الأخلاق الثورية وقواعدها .
فالسمات الأخلاقية للرفيق تتكون من تواضعه واحترامه لرفاقه انطلاقاً من قناعته السياسية والفكرية ، وموقفه من العمل الوطني والاجتماعي ، ومعاملته مع الناس واهتمامه وعنايته بهم، وكيفية تصرفه في المجتمع والأسرة . وتبرز صفات العضو الأخلاقية بصورة جلية في الأعمال والتصرفات الوطنية والروح الجماعية والمبدئية والعدل وعدم التسامح إزاء كل ما يتنافى ونمط الحياة سواء في اوساط الحزب او في أوساط الجماهير .
الفلسفة التربوية للتنظيم :
تهدف إلى التغيير الاجتماعي الشامل الهادف إلى خلق نخبة ثورية طليعية من الحزبيين ، تكون قدوة للمجتمع الإنساني الذي نرغب في إنشائه ، ولكي يتم إعداد هذه النخبة لابد من تربية عناصرها وفق أسس تربوية – ضمن برنامج مدرسة الكادر- تضمن إعداد هذه النخبة ، ويطلق على هذه الأسس الفلسفة التربوية للحزب .
القدرة الكفاحية للصفوف الحزبية :
تتحدد القدرة الكفاحية للصفوف الحزبية قبل كل شيء بتركيبها النوعي . ولذا يراعي الحزب على الدوام أن لا ينتمي إلى صفوفه إلا المخلصون حقا لقضية الوطن والشعب من جماهير شعبنا عموماً ومن طبقاته الفقيرة والكادحة خصوصاً، ويعير اهتماما كبيرا لصقل الأعضاء وتوعيتهم تنظيميا و سياسيا وفكريا قبل تسلمهم مسؤوليات او ادماجهم في العمل النضالي عموما والكفاحي بشكل خاص .
قضية السلوك الشخصي :
وفي هذا الجانب نشير الى عدد من السمات التي تجسد السلوك الثوري :
1. الاستقامة : تلعب الاستقامة دورا هاما بالنسبة لجميع اعضاء حزبنا عموما وقيادته خصوصا ، لأن يكونوا مثلا أعلى وقدوة تحتذى في الأوساط الشعبية ، كما تلعب الاستقامة دورا هاما في نمو الجبهة والتحاق الآخرين بها ، فليس الخط السياسي الواضح، هو فقط الذي يجذب الافراد للالتحاق بالحركة. ولكن نوعية الاشخاص، الذين يثبتون هذا الخط ويقودون مسيرته، يشكلون مؤشراً حول جدية هذا الخط وضمان عدم انحرافه .
2. المثابرة والاصرار : يتميز الكادر المسؤول في الحركة الثورية، عن العضو العادي، بامتلاك روح المثابرة والاصرار ومتابعة الامور حتى تحقيق نتيجتها. ويتم ذلك بدوافع ثورية نابعة من الكادر نفسه ، أو فيما نسميه بالدافعية الذاتية للعضو .
3. الابداع : الابداع من المسلكيات الثورية، التي تميز الكوادر والقادة عن الاعضاء العاديين.
4. الايثار : بمعنى إزاحة ورفض السلوك الأناني، فالعضو الأناني المحب لذاته، المفضل لمصلحته الشخصية، لن يصبح قائدا؟ ان الصفات القيادية، التي يمكن ان تتوفر في العضو كثيرة، ولكن المسلكيات الانانية والخاطئة تلغي كل المسلكيات الثورية، وتفقد العضو موقعه القيادي. ويمكن القول، ان احترام الاعضاء وحبهم للكادر والقائد يشكل درجة اساسية في سلم الارتقاء الى موقع القيادة. وهذا الحب لا يمكن ان يستمر، ان كان من طرف الاعضاء فقط. فلا بد للقائد ان يبادلهم نفس الحب والاحترام .
5. الهدوء والثبات : ما اكثر الملمات والمصاعب، التي تواجه الكوادر والقادة في المسيرة الثورية. ومواجهة الازمات، التي قد تصل الى حد المصاعب والنكبات والهزائم، تتطلب من القادة سلوكا ثوريا مميزا، حيث ان المصاعب، عندما تلم بالحركة، فانها تتطلب قرارا قياديا بمواجهتها. ولا يمكن ان يتم اتخاذ قرار ايجابي فاعل، اذا كانت اعصاب القائد منهارة او مضطرية. ان الهدوء والثبات يشكلان مسلكية ثورية ضرورية للقائد، وهما من الاسس التي تقوم عليها الشخصية القيادية.
6. تربية الذات : احد جوانب مراقبة الذات. وهي تقوم في أن الإنسان يطور في نفسه، وبصورة هادفة، القدرة على النشاط الأخلاقي، ويكون وعيه الأخلاقي، ويحسن خصاله الايجابية ويتلخص من السلبية، أما إشكالها وطرقها فهي إقناع الذات، ونقدها، وإكراهها وتقييدها.
7. تقييم الذات : تقييم الشخصية الأخلاقي لتصرفاتها وصفاتها وخصالها وقناعاتها ودوافعها الأخلاقية؛ وشكل للتجلي وعي الذات الأخلاقي والضمير عندها.
8. التفاني : شكل من النشاط الاخلاقي، يدل على تنفيذ المطالب الأخلاقية رغم قساوة الظروف الاجتماعية أو رغم ظروف الحياة الشخصية وعلى الصمود للصعاب والمشاق والحرمان ونكران الذات والتضحية بها.
9. الغيرية : مبدأ أخلاقي ، يلزم الإنسان بقهر أنانيته الذاتية ، وبالخدمة النزيهة لـ"الأقرب" وبالاستعداد للتضحية بالمصالح الشخصية في سبيل منفعة الآخر .
الانضباط الحزبي :
ويعني القبول الواعي والاختياري لجميع أعضاء الحزب للقواعد التي يحددها وينص عليها نظامه الداخلي بما يضمن مراعاة تنفيذ قواعد الحياة الحزبية والأخلاق الحزبية، والعمل بنشاط على تحقيقها وإنجازها بضمير حي وبدافعية ذاتية وموضوعية مقدامة .
ويعتبر الانضباط الحزبي راسخا حقا، حينما يقوم على قناعة الرفاق الفكرية العميقة ووحدة وجهات نظرهم وإخلاصهم لقضية الحزب ونكرانهم الذاتي العالي، وفي هذا السياق نؤكد بعدم وجود أي تناقض أو تعارض بين الانضباط الحزبي والديمقراطية الحزبية الداخلية.
الأخلاق الاشتراكية لرفاقنا :
يتمثل جوهر الأخلاق الاشتراكية في الدفاع عن مصالح الفقراء والكادحين بما يتطابق مع القيم الأخلاقية التي تخدم التقدم الاجتماعي على المستوى الإنساني كله ، وبالتالي فإن الأخلاق الحزبية التي يناضل حزبنا من اجل ترسيخها هي في جوهرها تعبر عن الأخلاق الاشتراكية، التي تقوم علـى :
1-أخلاق جماعية، ومبدؤها الأساسي أن الفرد من أجل الجميع، والجميع من أجل الفرد، وهو مبدأ يتنافى مع الأنانية وحب الذات والنفعية الذاتية، ويجمع بصورة منسجمة بين المصالح الشعبية العامة والجماعية والشخصية.
2-أخلاق إنسانية، وهي تسمو بالإنسان وترسخ العلاقات الإنسانية حقا بين الناس، ونقصد بذلك علاقات التعاون الرفاقي والتعاضد وحسن النية والنزاهة، والبساطة ، والتواضع في الحياة الشخصية والاجتماعية.
3-أخلاق نشيطة وفاعلة، وهي تشجع الرفاق على تحقيق المآثر الإيجابية الجديدة في العمل والإبداع على مستوى الحزب أو على المستوى الجماهيري العام.
التربية الفكرية :
نشاط يهدف إلى تكوين وترسيخ الوعي بالهوية الفكرية لحزبنا حفاظاً على الجبهة الثقافية التي كان القائد الراحل جورج حبش يعتبرها حجر الزاوية الرئيسي لحزبنا .
القناعة الفكرية للعضو :
الإخلاص العميق للمثل الأيديولوجية والسياسية للحزب عموماً ولهويته الفكرية الماركسية ومنهجها الجدلي المادي خصوصاً، والثقة الراسخة بسلامتها وانتصارها النهائي ، والاستعداد لنكران الذات في النضال من اجل تجسيدها المتواصل .
أن القناعة الفكرية للرفيق لا تقوم على الإيمان الأعمى وغير المسئول بحياة أحسن ومستقبل أفضل، إنما تستند إلى النظرة العلمية إلى العالم وفهم قوانين التاريخ والتطور الاجتماعي الموضوعية.
العلاقات الحزبية الداخلية :
تتميز العلاقات الحزبية الداخلية ، قبل كل شيء ، بتضامن الرفاق والمحبة والثقة واحترام بعضهم البعض وبالصراحة والوضوح في العلاقات ، كما تتميز بالسعي إلى خلق جو من التعاون والبحث الإبداعي في العمل . وعلى هذا الأساس بالذات تتأكد وتترسخ الثقة الرفاقية الكاملة بين أعضاء الحزب ، والمبادئ الثورية حقا في العلاقات بينهم .
أن نضوج العلاقات الحزبية الداخلية إنما يحدده نضوج الرفاق الفكري والسياسي وفاعليتهم والقدرة الكفاحية للمنظمات الحزبية .
الدور الطليعي للعضو :
يتمثل في قدرة عضو الحزب على أن يكون دائما ، وفي كل ميدان ، في مقدمة النضال الوطني التحرري، وفي مقدمة النضال من اجل تحويل المجتمع على أسس ديمقراطية تقدمية وتحقيق سياسة الحزب والمهمات والأهداف التي يطرحها.
إذ "لا يكفي أن نسمي أنفسنا بـ"طليعيين" وفصيلا متقدما ، بل علينا أن نتصرف بشكل تكون فيه سائر الفصائل الأخرى مضطرة إلى الاعتراف بكوننا نسير في المقدمة" .
حرية المناقشة والنقد :
إن مناقشة مسائل السياسة الحزبية والنشاط العملي للمنظمة بشكل خاص والحزب بشكل عام، بحرية وبروح عملية، تعتبر جزءا لا ينفصل من حقوق عضو الحزب ومبدأ مهما من مبادئ الديمقراطية الحزبية الداخلية.
ومع ذلك ينطلق الحزب من أن حرية المناقشة والنقد لا يمكن أن تكون بلا حدود. إذ أنها تمارس في إطار برنامج الحزب ولائحته بدقة.
الحرص على جوهر التركيب الاجتماعي لحزبنا :
إن حزبنا من حيث منطلقاته النظرية حزب الجماهير عموما والفقراء والكادحين بشكل خاص ، وبحكم ذلك يتوجب أن تتبلور وتتزايد مكانة ودور العمال والفلاحين والفقراء وكل المضطهدين بحيث تستحوذ على المساحة الأكبر من بنيته ، حيث أن التركيب الاجتماعي للحزب من أوساط العمال والفلاحين والكادحين، يمارس تأثيرا جوهريا في أيديولوجيا الحزب وسياسته ومجمل نشاطه الراهن والمستقبلي .
التركيب النوعي للصفوف الحزبية :
مؤشر استعداد الرفاق، على المشاركة الفعالة في نشاط الحزب، وفي النضال من اجل قضيته وبرنامجه الوطني التحرري والاجتماعي في آن واحد . وهو مؤشر ياخذ في الاعتبار الانتماءات والأوضاع الاجتماعية للرفاق ، وعمرهم الحزبي ، ومستوى تأهيلهم التعليمي العام والمهني، ودرجة تبلورهم الحزبي ، ومشاركتهم في الحياة الاجتماعية السياسية، وتنفيذ دورهم الطليعي . أن القدرة الكفاحية للحزب بشكل عام ولكل منظمة حزبية على حد السواء تتوقف ، إلى درجة كبيرة ، على التركيب النوعي للصفوف الحزبية .
الكادر : هو من لا ينتابه الذعر في لحظات الإخفاق ولا ينسى نفسه في لحظات الانتصار. إن الانضباط والتمرس الثوري في الصراع مع العدو الوطني و الطبقي وعدم التسامح حيال أي انحراف عن هوية الحزب الماركسية هي إحدى سمات الكادر الرئيسي . "نريد أناساً يأتون إلى الجبهة ليرفعوها على أكتافهم لا أناساً يأتون ليرتفعوا على أكتافها" .
وحتى يستطيع أي عضو أن يصبح كادراً للحزب ويرفعه على أكتافه ويكون داعياً لسياسته لابد من أن يكون ملماً بسياسة الحزب وعارفاً في التنظيم ومتابعاً لكل تفاصيل ومكونات واقعنا السياسي والاقتصادي والمجتمعي، ومتعمقاً بالفكر الماركسي ، علاوة على اكتسابه للأخلاق الثورية التي تجسد الاستقامة والصدق و الشجاعة السياسية والشهامة والمبدئية في الموقف، وتجنب كافة مظاهر الشللية والتكتلات .
التركيب النوعي للكوادر :
أن المقدرة الإبداعية للكوادر، وبالتالي، تركيبها النوعي يحددها قبل كل شيء مستوى التحصيل الثقافي والتعليمي العام والخاص والحزبي السياسي وكذلك وجود الاختصاصيين لهذه الفروع أو تلك في السياسة والقانون والاقتصاد الوطني والتعليم والصحة ...الخ، ويتحدد التركيب النوعي للكوادر في نهاية المطاف بمدى حيوية موقف الكوادر من العمل ومبادرتها العملية وبهيبتها بين الناس ونتائج عملها .
تطهير صفوف الحزب :
إحدى الوسائل لضبط تركيب الحزب النوعي والكمي ، لتوطيد صفوفه تنظيميا وسياسيا من خلال تطهيرها من العناصر الغريبة ، والقلقة سياسيا ، والوصولية ، وكذلك من غير النشيطين، وممن لا يبررون اللقب السامي للرفيق . وإذ يتخلص الحزب من هؤلاء الأشخاص، إنما يحسن تركيبه النوعي ، ويُؤَمنّ القدرة الكفاحية العالية لصفوفه ورفع لقب العضو الحزبي وأهميته ، ويزيد هيبته أمام أنظار الجماهير .
مقاومة كل أشكال ومظاهر الانحراف الحزبي:
ويتجلى الانحراف في أن بعض أعضاء الحزب ينحرفون عن الخط الطبقي والفكري والسياسي الثابت للجبهة من ناحية ويبدؤون بالتمسك بوجهات نظر واعتقادات تتناقض مع المبادئ التي تقوم عليها سياسة الجبهة وبرنامجها وهويتها الفكرية ونظامها الداخلي من ناحية ثانية، وفي هذا السياق فإن من المؤكد أن لكل انحراف طبيعة ذاتية وجذور طبقية، علاوة على الاعتبارات الآنية المتنوعة التي يمكن أن تدفع نحو الانحراف في ظل علاقات وأوضاع تنظيمية ضعيفة ، وفي ظل ضعف الوعي والالتزام بالهوية الفكرية والبرنامج التنظيمي علاوة على التخلف الإداري والعام السائد في الحزب.
ولكن علينا ان ناخذ بالاعتبار ان لكل انحراف طبيعة وجذور طبقية، لذلك غالبا ما تنشأ انحرافات مختلفة داخل الحزب في المنعطفات الخطيرة التاريخية وذلك تبعا لمصالح وتأثيرات الطبقات والفئات الاجتماعية التي يمثلها هذا الانحراف أو ذات، أو تبعا لمصالح أنانية فردية أو شللية ذات طابع عصبوي نتيجة التخلف الفكري والثقافي داخل الحزب إلى جانب غياب الوحدة التنظيمية والانضباط التنظيمي الصارم فيه.
الالتزام التنظيمي:
الالتزام التنظيمي, مفهوم يعنى قيام المنتسب لتنظيم معين, نظرياً وسلوكيًا بتنفيذ البرنامج العام للتنظيم, وللوائحه وأنظمته الداخلية, ولقرارات وتوجيهات الهيئات القيادية, للتنظيم وذلك عبر الخيار الديمقراطي الواعي، فبدون الالتزام لايوجد حياة تنظيمية , فهو الطاقة المحركة للتنظيم وعناصره والحافز على حضور الاجتماعات التنظيمية , وتحقيق برامج التنظيم والتقيد بأنظمته وقراراته وتنفيذ التكليفات ، الى جانب الالتزام بتسديد الاشتراكات المالية وجمع التبرعات والحرص على صرف الاموال التنظيمية وانجاز المهمات التنظيمية بأقل التكاليف المالية ، الامر الذي سيوفر على الحزب قسما كبيرا من نفقاته إن لم يستطع تأمينها بالكامل .
يختلف الالتزام بين شخص وآخر, من تنظيم لآخر، فالالتزام التنظيمي له بعده الفكري والأخلاقي المتمثل بالإخلاص, والتفاني والغيرة على مصالح التنظيم وبرامجه وتطبيق لوائحه وأنظمته الداخلية, وتنفيذ قرارات وتوجيهات الهيئات القيادية.
علاقة الالتزام التنظيمي بالانتماء الحزبي:- يمكن تعريف الانتماء الحزبي, بأنه الشعور الذي يلازم الشخص بالولاء للحزب والقضية التي يناضل من أجلها الحزب ... بكل أبعادها الأيدلوجية والسياسية والتنظيمية..., وشعوره بأنه فرد في جماعة له مالها وعليه ما عليها، وحيث أن مفهوم الالتزام الوظيفي هو حالة تنظيمية سلوكية يمكن ملاحظتها وقياسها. فإن الانتماء هو حالة تنظيمية أكثر عمقاً ورقياً لأنها ذات أبعاد نفسية شعورية.
إن علاقة الالتزام التنظيمي بالانتماء الحزبي تتسم بعمق جدلي, لأن الانتماء الحزبي علاقة تنظيمية لا تحدث إلا بوجود الالتزام التنظيمي أولاً والادعاء القائل بان هناك انتماء حزبي دون التزام تنظيمي هو ادعاء باطل لا أساس له.
كيف يمكن قياس الالتزام التنظيمي ؟ بالطبع الجواب هنا وبصورة محددة وواضحة : عبر اللجنة التنظيمية المركزية للجبهة واللجان التنظيمية للفروع ، وذلك باستخدام منهجية الملاحظة العلمية والمتابعة الدورية لاعمال وتقارير قيادات المناطق أولا بأول للتأكد من تنفيذ المهام الموكوله اليها ، الى جانب الاختبار التجريبي والاستبيانات الداخلية ، وبالرجوع إلى قاعدة المعلومات البيانية الحديثة التي تتضمن ذاتية العضو أو ملفه , وكل ما يتعلق بعضويته منذ بدايتها ، بما في ذلك تقييم الرفاق له.
الانتهازية :
تيار يعني إخضاع مصالح الفقراء وجماهير الشغيلة لمصالح البرجوازية، والتوفيق مع البرجوازية في السلطة أو خارجها، والتخلي او الانحراف عن النضال الوطني التحرري والاجتماعي . "إن الانتهازية تكمن في التضحية بمصالح جذرية سعيا للحصول على فوائد جزئية مؤقتة. هذا هو الجوهر، إذا أخذنا تعريف الانتهازية النظري".
في تاريخ الحركة العمالية الثورية كله كانت الانتهازية تبرز في الشكلين التاليين: ما يسمى الانتهازية اليمينية والانتهازية "اليسارية".
إن الانتهازية اليمينية تعني : العمل على إخضاع جماهير الكادحين والفقراء عموما والحركة العمالية بصورة مباشرة لمصالح البرجوازية والتخلي عن المصالح الجذرية للطبقة العاملة لقاء فوائد جزئية مؤقتة. فالدفاع عن "التعاون الطبقي والمصالحات السياسية أو التوفيقية مع السلطة أو الطبقة الحاكمة" بذريعة الإصلاحات التافهة ليست في حقيقتها سوى تراجعا أو تخليا عن القضايا المبدئية في السياسة والفكر ذلك هو جوهر الانتهازية اليمينية .
أما الانتهازية اليسارية، فتعني، خليط من التنظيرات الثورية المتطرفة أو العدمية البعيدة عن الواقع، وهي أيضا خليط من الموضوعات التكتيكية المغامرة التي يمكن أن تدفع بالحركة الثورية أو بالحزب إلى أعمال غير مبررة تكون نتائجها مزيدا من التراجع أو الهزائم. إن الرهان على العنف الثوري بوصفه الوسيلة الوحيدة للنضال، هو الأساس الفكري للانتهازية "اليسارية"، ذلك إننا معنيون بممارسة كافة أشكال النضال الثوري الكفاحي والسياسي والديمقراطي المجتمعي وفق ظروف كل مرحلة من مراحل النضال ومتطلباتها. إن الانتهازية "اليسارية" تعكس سيكولوجية البرجوازي الصغير الموصوف دوما بالاندفاع السريع والتراجع السريع والتدهور الحاد والانتقال من موقف إلى موقف آخر دونما رؤية واضحة أو انضباط أو تنظيم، وذلك كله بسبب طبيعته الطبقية المتأرجحة بين الطبقات الأدنى والطبقات البرجوازية الأعلى.
رفض التكتلات ورموزها :
إن نشوء التكتلات يرتبط بوجود تيارات انتهازية في الحزب وهي تنبع من شتى أنواع الانحراف إذا لم يتم التغلب عليها في الوقت المناسب، وهي تقوم عبر عناصر او رموز انتهازية تلجأ إلى أساليب غير تنظيمية أو تآمرية لا مبدئية بعدما تعجز عن تغيير نهج الحزب وإجباره على التخلي عن مواقفه السياسية أو الفكرية أو التنظيمية. وهي باسم تحقيق أهدافها تنتهك عن وعي الانضباط الحزبي وتتخلى عن الخضوع لإرادة الأكثرية وتدوس بصورة فظة على كل مبادئ وقواعد الحياة الحزبية، بحيث تسعى إلى زرع بذور الخلافات بين أعضاء الحزب وإحداث الانشقاق في صفوفهم.
إن الصراع التكتلي يقوض وحدة الفكر والعمل للرفاق ويصرف اهتمامهم عن حل القضايا السياسية الماسة ويعرقل العمل الودي المشترك، مما يضعف الحزب بصورة كبيرة. ولذا يعتبر الحزب أنه من غير الجائز أن توجد في صفوفه تكتلات أو نزاعات شللية، ويضع في قراراته مختلف الإجراءات والأساليب للتغلب على أية مظاهر للنزعة التكتلية وصولا إلى فصل من يقوم بالنشاط التكتلي من الحزب.
الجمود العقائدي (الدوغمائية) :
ويتجلى الجمود العقائدي في التأييد الأعمى لمذهب أو مبدأ معين، واستخدام القوالب الجاهزة في المسائل والقضايا الفكرية أو التنظيمية أو السياسية، والخوف من كل ما هو جديد، حيث يعيش الدوغمائي على التصورات والتقاليد البالية "تعلموا، لكن لم يفهموا وحفظوا، لكن لم يفكروا" هكذا كان لينين يتحدث باشمئزاز عن الدوغمائيين الذين يكررون ميكانيكا الاستشهادات دون مراعاة ذلك الجديد الذي ينشأ في الواقع العملي.
الشرعية الحزبية وآليات تداول القيادة :
- تتمثل الشرعية الحزبية بوجود النظام الداخلي نفسه، الذي تبين أحكامه وقواعده حقوق الأعضاء وواجباتهم، ومسؤولية وصلاحيات كل مستوى قيادي وحدودها وكيفية تشكيل الهيئات واتخاذ القرارات، وإضفاء مبدأ المساواة على الأعضاء وحمايتهم من الفصل التعسفي .
- فمصدر الشرعية هنا ليس فوقياً، بل هو بالتحديد : أعضاء الحزب أنفسهم ، فإرادة أعضاء الحزب تتجسد في اختيار هذا العضو أو ذلك لتبوأ المسؤولية القيادية ، وكذلك في اتخاذ قرارات الحزب على المستويات المختلفة أي أن الديمقراطية هي الأسلوب الأمثل لتوفير الشرعية الحزبية وتعزيزها ، فلا طريق أفضل من الديمقراطية للوصول إلى الشرعية .
- ولذلك وحتى يجري تفادي أية انحرافات عن الانضباط الحزبي يلجأ، الحزب عادة لاستنفاذ كل وسائل الحوار والنقاش والجدل وتبادل الرأي عبر الاجتماعات والمؤتمرات أو الكونفرنسات أو الاجتماعات الموسعة أو الاستبيانات أو الاستفتاء وذلك لإنضاج الأفكار المطروحة ومحاولة الوصول إلى اقتناع حزبي عام، وكذلك توخي الدقة في اختيار المرشحين للمناصب والهيئات على أساس مقاييس ومعايير والكفاءة والأهلية المنصوص عليها في اللوائح ، وفي هذا الجانب ، فإن المناقشة الحرة والجادة والمسؤولة لسياسة الحزب وموقفه وبرامجه حق لكل عضو لا يجوز المساس به (من هنا الاهمية القصوى والضرورية التي تفرض على كل رفيق دراسة وثائق الجبهة دراسة معمقة من ناحية ، واستيعاب ومتابعة كافة الرفاق لتطبيق مبادئ وأحكام نظامنا الداخلي في حزبنا بصورة واعية وبموضوعية عالية) .
- فمن حق العضو الحزبي أن يناقش بحرية تامة ضمن الأطر التنظيمية للمسائل النظرية والسياسية ومشكلات الحزب وسياساته ونشاطاته العملية وان يقدم الاقتراحات بشأنها إلى أن يحدد مواقفه ويتخذ قراراته (وسؤالي لماذا لا يطبق هذا الحق من الكثيرين؟).
- ومما يعزز الشرعية الحزبية وسلطة الحزب المعنوية، هو أن الاختيار الحزبي للقيادات وتشكيل المرجعيات له صفة دورية ومنظمة بما يسمح بتداول القيادة والمسؤولية والتجديد الدائم لشباب الحزب وتمكينه من امتلاك فرصة التحرر من القيادات الأبدية .
- تجديد الهيئات القيادية ، حيث ينص النظام الداخلي للجبهة على سبيل المثال على أن المدة القصوى لأشغال عضوية المكتب السياسي ومنصب الأمين العام يجب أن لا تتجاوز دورتين متتاليتين وبما لا يزيد عن 10 سنوات (المادة 31) .
- ولعل هذا الأمر هو ضمانة لتخلص الحزب من عبادة الشخصية ومن الولاء الشخصي والعشائرية مما يعزز وحدته ويتجاوز الشرذمة والانقسام.
مستلزمات القيادة الحزبية :
1. وحدة القيادة وانسجامها الداخلي (وحدة الفكر ووحدة العمل).
2. الاهتمام بالتركيب الاجتماعي للقيادة الحزبية بحيث تظل النواة الكادحة هي قلب الهيئات القيادية المركزية والمحلية.
3. ارتفاع المستوى العلمي للقيادة الحزبية والتعرف العميق على الظواهر الاجتماعية ومتابعة متغيراتها.
4. توفير كل الاهتمام بالنواة التنظيمية والفكرية في الحزب, فهي العمود الفقري في هيكله التي تشكل العقل المفكر له, الى جانب الرقابة الداخلية.
استخلاصات سياسية وتنظيمية من واقع حزبنا / جبهتنا:
إن جماهيرنا الفقيرة الكادحة التي ترفع في وجه النظام الحاكم راية المطالبة بحقوقها تأمينا لمستقبلها, وترفع في وجه العدو الصهيوني راية النضال من أجل الحرية والاستقلال وتستهدف تحقيق أفكارها ، إنما هي بحاجة إلى التنظيم كأسلوب وحيد لخلق الإرادة الجماعية ... فالحزب أو التنظيم هو السلاح الأمضى والوحيد الذي يوفر عناصر القوة للجماهير الشعبية الفقيرة لمواجهة قوى الاستبداد والظلم وأدواتها .
وطالما أن الحزب الطليعي (المعبر عن مصالح ومستقبل الفقراء والمُستغَلِّين والمُضطهَدين) هو تنظيم كفاحي بالمعنى السياسي للكلمة فهو بالضرورة يجب أن يمارس نضاله السياسي والديمقراطي والكفاحي وفق الظرف المناسب والمكان المناسب لضمان حركة صعوده وتقدمه من ناحية, وتوفير سبل التوسع والتجنيد والبناء وتعبئة الطاقات الجماهيرية من ناحية ثانية .
وبدون هذا الحزب فإن الطبقات والشرائح الاجتماعية المُستَغَلَّه والمُضطهَدَه ستظل أسيرة للتراث الغيبي السائد وأدواته ، وبالتالي أسيرة للظلم الاجتماعي والقهر الوطني والطبقي وكأن هذا الوضع قدراً محتوماً ... وطالما لم تنجح الجماهير الفقيرة في ان تنفض عنها هذه الحتمية, وطالما لم تدرك بعد ، بصورة كاملة, الظلم الوطني والظلم والتخلف الاجتماعي الذي يكبلها ويذلها , فهي عاجزة عن التطلع نحو التحرر والانعتاق ، وهنا بالضبط يتجلى دور حزبنا في توعية هذه الجماهير -بصورة منهجية وموضوعية- بكافة الجوانب السلبية في التراث الغيبي السائد ، والتي تُسخَّر في خدمة مصالح النظام الحاكم والطبقات السائدة فيه التي تحاول دوما الحفاظ على كل ما هو سلبي في تراثنا وتعميمه في اوساط الفقراء بأساليب وخطط وبرامج محددة تستهدف تشكيل ذهنية جماهير الفقراء ضمن قالب ثابت يحتوي على "مقولات" تخدم التبرير الميتافيزيقي الغيبي للاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة ، وقد كان هذا التوجيه الذهني ولا يزال –كما يقول د.صادق العظم- يشكل "قلعة حصينة ضد الذين يبذلون الجهود لتغيير هذه الاوضاع تغييراً ثورياً [21] " من أجل امتلاك ادوات الحداثة والنهوض والتغيير والتقدم الاجتماعي ، وفي هذا السياق يرى "أدونيس" أن مبدأ الحداثة هو الصراع بين النظام القائم على السلفية وبين الرغبة العاملة لتغيير هذا النظام ، أو بين قيم الثبات الماضوية وقيم التحول المستقبلية [22] .
لذلك فإن الوعي والادراك الحسي لظروف الاضطهاد هو المحرك القوي سواء للصراع الوطني ضد العدو أو لصراع الطبقات عبر التاريخ ... ومن أجل ألا يبقى هذا الصراع في حالة من الغموض أو الانكفاء في وهم الحتمية أو الأقدار, فهو بحاجة الى اساس من الوعي والادراك كشرط أول لابد منه لذلك الصراع ... وهنا يتجلى ويتحدد الدور الطليعي لجبهتنا وتوسعها وانتشارها في اوساط الجماهير .
اذ انه ليس امامنا سوى تفعيل عملية النضج السياسي المنظم بما يؤثر على الجماهير عبر الممارسات الايجابية الملموسة على كافة الاصعدة بدءا من السلوك الشخصي للمسؤول في علاقته بالناس ، الى الممارسة التطبيقية العادلة في كل ما يتعلق بالشؤون الحياتية للجماهير على قاعدة العدالة ، وتكافؤ الفرص والشفافية والمحاسبة والردع ، هذا هو الاسلوب الوحيد لمجابهة وتغيير حالة الاحباط والقلق السائدة في صفوف ابناء شعبنا في هذه المرحلة ، وإزاحة المفاهيم الاخلاقية السيئة التي ترعرعت في مجتمعنا خلال الخمسة عشر عاما الماضية وابرزها ، الاتكالية او اللامبالاة ، غياب الشعور بالذنب عند هدر المال العام ، الرشوة والمحسوبيات ، الميل الى الاحباط او الاستسلام ، النفاق بكل صوره الاجتماعية والسياسية ، الخضوع ، ومظاهر البذخ غير المبررة او المشروعة ، والشيزوفرانيا في العلاقات الاجتماعية او لدى بعض المسؤولين ، او سيادة منطق العشيرة او الحمولة ، وتراكم الخوف في صدور الناس ، وانتشار الاشاعة .. ان هذه الصورة لم يكن ممكنا بروزها بهذه الحدة لولا التراجع المتزايد في مجتمعنا الفلسطيني والعربي الذي نشهده اليوم ، لدرجة ان الفرد في هذه المجتمعات ، اصبح همه الانخراط في الحياة الاجتماعية لتأمين مصلحته العائلية الخاصة والمحافظة على سلامته –كما يقول د.هشام شرابي انسجاما مع القول العربي المأثور "امش الحيط الحيط" ان النتيجة الحتمية لهذا المسار الاجتماعي ، تقضي بأن تحل روح الخضوع محل روح الاقتحام وروح المكر محل روح الشجاعة وروح التراجع محل روح المبادرة وروح الاستسلام محل روح المقاومة ، وتبعا لذلك فان "القوي المسيطر لا يواجهونه مواجهة مباشرة ، بل يستعينون بالله عليه ، كما في القول "اليد التي لا تستطيع كسرها بوسها وادعي عليها بالكسر" ففي حالة الاحباط تصبح مقاومة الظلم لا فائدة منها كما في القول المأثور "العين ما بتقاوم المخرز" او المخرز حامي والكف طري" ، فقط المواجهة تكون مع الاضعف وحين تسود هذه الخصائص او السلوكيات فان القوي يأكل الضعيف بغير حق في معظم الاحوال .
فاذا كانت هذه الخصائص او السلوكيات من سمات المجتمعات المغرقة في تخلفها ، والتي لا تعرف معنى المستقبل سوى في الحاضر وملذاته ، بمثل تجاهلها للمصالح العامة لحساب المنافع الشخصية الباذخة والمترفة .. فهل نحن كذلك ؟ اسألكم ؟ فان كان جوابكم لا .. لسنا كذلك .. فلماذا هذا الصمت على ما يجري من حولنا على مساحة الوطن العربي كله ؟؟
ان هذه القيم السالبة-الخطيرة ، لا يمكن تغييرها الا حينما يصبح وعي الناس الاخلاقي ، وعيا لمصالحها يمكنها من استيعاب وقبول تنفيذ المهمات الواقعية على الصعيد الوطني او الاجتماعي .
كذلك لا بد من توضيح الظروف والادوات الفعلية في النشاط السياسي وكشف المصالح الكامنة وراء هذه او تلك من القواعد الاخلاقية ، وهذا ما يجب ان تتحمله –بمسؤولية عالية- الفصائل والاحزاب الوطنية والقومية التقدمية عموماً وجبهتنا الشعبية خصوصاً، ببناء علاقتها بالجماهير على اساس الإندماج في أوساطها وتوعيتها بمصالحها اولا ومن ثم وعيها وممارستها للنضال الوطني والديمقراطي، وبناء عوامل الثقة المتبادلة ، والتفعيل العملي للشعارات المطلبية والسياسية معها .
وفي هذا السياق فان هذا التوجه لن يكتب له النجاح اذا لم تتوفر شروط ومقومات التطوير الشامل للمفاهيم الاخلاقية في التنظيم لان فاقد الشئ لا يعطيه ، وعليه فان البدء بتطبيق النقد والنقد الذاتي ، ومفاهيم الشعور بالمسؤولية ، والمبدئية ، والامانة والصدق ، والتكافل ، والدفء الحقيقي للعلاقات ، وتقديم المثال في السلوك العام ، انطلاقا من الفهم الذاتي للاخلاق والسياسة الذي يقوم على ان السياسة الطليعية والبعيدة النظر ذات الآفاق الواسعة ، تستجيب لمتطلبات الاخلاق بصورة مباشرة وعملية في آن واحد ، وذلك مشروط بوعيها والتزامها بالفهم الموضوعي للواجب الذي ينبثق من الوعي العام الجمعي لاعضاء الحزب ، وعيهم بدورهم ومسؤوليتهم وواجبهم تجاه قضية التحرر والسيادة من جهة ، وتجاه قضايا المجتمع التي اصبحت من الاهمية في نفس مستوى التحرر الوطني من جهة اخرى .
فالحقيقة ، ان الواجب والضمير ، يعتبران "ضابطين" للحفاظ على شرف وجدارة واخلاص الفرد المنظم الواعي ، تجاه الوطن والمجتمع والجبهة الشعبية التي ننتمي إليها، وليس تجاه المصالح الشخصية الانانية .
ان الواجب والضمير في حالتنا الجبهاوية الداخلية، بمثابة المراقب للوعي الاخلاقي ، وبمثابة الحارس الذي يقوم على تنفيذ القواعد الاخلاقية -التي اشرنا إليها- كانعكاس للمعاني الوطنية والاجتماعية ، والذي يعكس نفسه بصورة مشرقة على المجتمع والحزب والعضو بما يجعل من الترابط بينهما ، شكلا اختياريا جدليا بعيدا عن المصالح الانانية او وسائل الضغط والاكراه .
إن تفعيل البعد الديمقراطي داخل الحزب هو بالنسبة لنا في الجبهة الشعبية تعبير عن مضمون الالتزام وشكله في آن واحد على أساس جوهر قانون المركزية الديمقراطية الذي يتمثل بكونه قانون لنشاط وبناء الحزب وليس مبدأ لفرض سلطة القرار, وبناء على ذلك فإن المركزية الديمقراطية تمثل صيغة لتداول الصلاحيات و المسؤوليات على أسس واعية وديمقراطية.
إن تأكيدنا عي جوهر هذا القانون أو المبدأ يهدف إلى إقامة شرعية حزبية حقيقية تقف على أسس ديمقراطية واعية مستمدة من القاعدة الحزبية (الخلية) ومن مبدأ التمثيل و الانتخاب, وهو مبدأ لن يتحقق بصورة ايجابية بدون التفعيل المستمر في الوعي و الممارسة الوضع الذاتي الداخلي للجبهة الشعبية بصورة متصلة من الخلية حتى اللجنة المركزية.
إنّ وحدة الحزب الفكرية والتنظيمية هي شرط النجاح فلابد من وحدة الفكر والعمل أو الوحدة الفكرية والتنظيمية معاً وفي هذا السياق يقول ماركس إذا لم تدعم الوحدة التنظيمية المادية, الوحدة الفكرية لا يستطيع الحزب أن يقوى ويتطور ويتسع.
وهذا يعني أهمية المنظمة الحزبية القائمة على معايير وقواعد وانضباط والتزام طوعي واعي صارم داخل الحزب ، يستند كل ذلك إلى قناعة كل رفيق من الناحية الفكرية بضرورة هذا الأداء ، ذلك أن الانضباط في الحزب هو "وحدة الأعمال وحرية المناقشة والانتقاد الداخلي" .
والحرية هنا لا تعني الفوضى, حرية لا يمكن ولا تسمح أن تعطي العضو الحق في ترويج أفكار معادية للحزب أو مناقضة لهويته الفكرية وسياساته وهو في داخلـه .
فالحزب اتحاد اختياري من لا يقبل بشروطه وأهدافه وأفكاره يجب أن يخرج.. لان الحزب يتفسخ حتماً أول الأمر فكرياً (إذا سادت الفوضى) ثم مادياً إذا لم يطهر صفوفه من الأعضاء الذين يروجون آراء سلبية مخالفة.. إن الحزب يقوى بتطهير نفسه .
وهذا يحتم علينا في الجبهة ، تعميق عملية الدمج بين حركة "الانتلجنسيا"، ونشاط الكادحين والعمال الثوري، وبالتالي تحديد أهمية كل قضية من القضايا في النشاط الثوري، أي أهمية الدراسة والتثقيف، فإذا انهارت الجبهة الثقافية انهار الحزب.
إن قضية الوعي الثوري ،ليست قضية هينة ،فمنذ غدت الاشتراكية علماً ،"تتطلب أن تعامل كما يعامل العلم ،أي تتطلب أن تدرس [23] ". فالحزب السياسي الثوري ،ليس المنظم والقائد والطليعة للجماهير فقط ،بل إنه أساساً "مُدخل" الوعي لها.
في هذا الإطار يمكن تحديد إشكالية الوعي والممارسة، وجوهر هذه الاشكالية يبرز في شقين . الشق الاول : يتعلق بتوفر الوعي الثوري لدى الفئات الطليعية من كوادر وقواعد اعضاء حزبنا/جبهتنا. والشق الثاني : يتعلق بكيفية استمرار تطور الوعي الثوري وتعمقه، مع تطور نشاط التنظيم وتزايد ارتباطه بالحركة الجماهيرية . إن الوعي دون ممارسة ثورية ، لا يؤدي الى انتصار . وكذلك فإن الممارسة الثورية دون وعي ثوري ،لا تحقق نفس الغرض انهما معا" طريق الانتصار .
وفي هذا الجانب فإن من واجب كافة رفاقنا في الجبهة أن يعمقوا ادراكهم بأن مهمة توسيع الحزب تنظيمياً، هي مهمة تعلو على كل المهام الآن (في ظروف الاستياء الجماهيري من طرفي الصراع فتح / حماس). وذلك عبر العلاقة الحزبية التراتبية بين قيادة الفرع ولجان المناطق والروابط والخلايا مع هذه المهمة، بما يحقق أهداف الحزب كما وردت في وثائق مؤتمراتنا الوطنية وبرامجنا.
لذلك فمن الضروري اليوم ان نكون كحزب أكثر وعياً بالماركسية وبالاهداف الوطنية والقومية مما كنا عليه في أي مرحلة سابقة (وحدة الذات والموضوع) وعلينا ان نتدارك كافة الأخطاء ومظاهر الخلل التي أصابت هيئات حزبنا من القمة الى القاعدة بحيث أصبحنا – رغم الظروف الموضوعية التي تنتظر دورنا – أقل وعياً بالقضايا الوطنية والقومية والماركسية.
فإذا لم نكن ماركسيين (عبر المطالعة والوعي) – بمقدار كاف – من حيث الوعي والممارسة سنظل عاجزين عن أن نشكل قطباً فعالاً في محيطنا الفلسطيني والعربي ... وهذا يعني المزيد من التراجع وانتشار مظاهر الخلل التنظيمي والليبرالي الهابط وبالتالي خراب الحزب وانهياره ... ومن ثم ضياع الآمال المعقودة على جبهتنا من قبل جماهير شعبنا في الحرية والعدالة والوحدة .
وفي مثل هذه الأجواء من التراجع والرخاوة والمظاهر المرضية، تتفاقم مظاهر الشللية او "التكتلات" او الثرثرة السالبة، وإهمال مسائل الالتزام الحزبي (التنظيمي والجماهيري والثقافي) وتتراجع الهوية الفكرية، ومن ثم يتراجع دور الحزب كله على الصعيد السياسي والشعبي.
من هنا، يتوجب على كل رفيق ملتزم ببرنامج الجبهة الشعبية وهويتها الفكرية، ان يتوقف امام الظواهر السلبية ويشخصها ويحللها وصولاً الى إيجاد سبل معالجتها عبر إطاره او مرتبته في الحزب (بعيداً عن أسلوب الثرثرة او الشللية) ... المهم مواجهة هذه الأمراض بكل جرأة رفاقية لكي نتجنب المزيد من التفكك ونعمل على وقف مساره الذي سيدفع بنا الى الانهيار اذا لم يتم التصدي له ووقفه.
بهذه الرؤية، وبالأسلوب التنظيمي المحمول بالوعي ببرنامجنا وهويتنا من جهة وبكل تفاصيل واقعنا الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من جهة ثانية، يمكن ان ننطلق نحو توفير الأسس الحزبية السليمة (وفق دستورنا / برنامجنا) وتوفير القدرة على اعادة بناء حزبنا بأساليب ثورية واخلاقية فعالة في سياق علاقات رفاقية محكومة بالالتزام والمحبة والاحترام والعمل المتفاني في تنفيذ المهام، والمبادرة الذاتية في التثقيف والتوسع التنظيمي بما يحقق نوعية تركيبه الطبقي بحيث يصبح بالفعل حزباً منبثقاً من جماهير الفقراء والكادحين، وطليعة ثورية لهم، فاذا استمر التركيب الطبقي البرجوازي الصغير والمتوسط في حزبنا على ما هو عليه ، فالنضال الوطني يكون موضع شك مع تعطيل أو رخاوة العمل التنظيمي والجماهيري وتزايد مظاهر الانفلاش والثرثرة.
آن الأوان –كما قال رفيقنا الشهيد أبو علي مصطفى- لأن نعي أننا ننتمي لحزب واحد، ولذات الفكرة، ونحمل ذات الآمال والأهداف النبيلة، ساقنا التاريخ لنحمل ذات البرنامج، فلنحافظ على أداتنا التي جمعتنا، كما نحافظ على حدقات العيون .
إننا في الجبهة الشعبية أشبه بمرتدي الثياب البيضاء الناصعة ، فأية لوثة أو لطخة ستظهر فاضحة أمام الناس ، ولقد بات كثيرون ـ ويا للأسف ـ لا يكادون يميزون بين الجبهاوي وسواه في بعض الممارسات . فالكل بنظرهم شركاء في هذه الممارسة الخاطئة .
فالجبهاوي وخاصة الكادر مطلوب منه أن يتفرد في القدوة الصالحة والمثال الفذ للنقاء والصدق والشفافية والبعد عن الذاتية والجشع والاحتكار والدخول في زواريب الإثراء غير المشروع والتهتك والاستهتار بقواعد السلوك والأخلاق . وبالتالي فإن إغماض العين عن العديد من الممارسات المشينة هنا وهناك هو كارثة حقيقية للحزب الثوري .
إن كل ما تقدم يشكل أساساً أولياً جامعاً ومبرراً للالتحاق والانتماء لحزبنا ... جبهتنا ، لكن هذا الاساس لن يكتمل بدون الالتزام الواعي والايمان العميق بأهداف الجبهة واخلاقياتها التي تجسد الاهداف الوطنية من جهة والتي يتوجب أن تجسد الاهداف الشخصية لكل عضو فينا من جهة ثانية .
إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي ضمت بين صفوفها منذ تأسيسها الى يومنا هذا ، اجيالا من المناضلين ، ضمت الجد والجدة والاب والام والابناء من جماهير الفقراء والكادحين ، اجيال تعاقبت على حمل الراية ، راية التحرر ، راية الوطن ، راية الشعب ، راية العمال والكادحين الفقراء والفلاحين والمثقفين الثوريين على امتداد (42) عاما ناضلت جبهتنا عبرها من اجل طرد المحتل وتقرير المصير وحق العودة والاستقلال ، بمثل ما ناضلت من اجل حقوق الفقراء من العمال والفلاحين وكل الكادحين في سبيل لقمة اطفالهم، هي اليوم في انتظار تجدد الروح الثورية لكل أعضائها من أجل أن تعود حقاً طليعة اليسار الفلسطيني الثوري الملتزم بقضايا ومستقبل جماهير فقراء.
لقد قدمت جبهتنا على درب النضال مئات الشهداء وآلاف المعتقلين والمعتقلات ، وتحمل الكثيرون من ابنائها كل اشكال المعاناة والاغتراب والاضطهاد والتسريح والتشريد والمحاربة في لقمة العيش ، ان هذه التضحيات طوال مسيرة الجبهة بمثل ما تشكل تراثا خالدا نعتز به ، ويعتز به شعبنا اليوم وفي المستقبل ، فإنه ايضا يشكل احد اهم ركائزنا في اوساط جماهيرنا الشعبية في كل مدننا وقرانا ومخيماتنا للارتقاء بالعملية النضالية التحررية والديمقراطية ، صوب هدف مركزي هو التحرر الوطني والاستقلال والبناء الديمقراطي الممأسس في ظل سيادة القانون العادل والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص للجميع .
إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، هذا الحزب الذي ترعرع في اوساط الجماهير الشعبية وضم في صفوفه خيرة ابناءها وطلائعها، كان وما زال خير معبر عن طموحاتها واهدافها عبر تضحياته ومعاناته في مسيرته الطويلة التي خاض المناضلين تحت رايته دون فتور ولا كلل جميع المعارك الوطنية التي قام بها أبناء شعبنا في سبيل حريتهم واستقلالهم وكرامتهم وخبزهم ، ان الجبهة الشعبية بما تمثله في اللحظة الراهنة والمستقبل ، وبما تمتلكه من مساحة كبيرة في قلوب وعقول وذاكرة شعبنا ، ستظل قوية بوطنية أعضائها وانتماءهم لامتهم العربية وإخلاصهم والتزامهم بقضايا شعبهم ، وستظل أيضا ، قوية باستنادها إلى هويتها الفكرية اليسارية ببعديها القومي والإنساني ، والى متانة حزبها ووحدة صفوفه على مساحة الوطن كله ، هذا الحزب الذي نما وكبر عبر النضال والتضحيات حتى أصبح اليوم منظمة وطنية عزيزة الجانب ، موفورة الاحترام ، بعد ان اكد وجوده في الماضي كما في الحاضر ، سيؤكده في المستقبل أيضا ، كأداة فعالة لها وزنها وشأنها في نضالنا الوطني التحرري الديمقراطي العظيم، مستندا الى تأييد جماهيرنا الشعبية في كل الظروف، وفي كل الاوقات، على طريق النضال المتواصل لمسيرة شعبنا العربي الفلسطيني من اجل الحرية والديمقراطية والانعتاق من كل اشكال الظلم الوطني والطبقي في آن واحد ، بما يدفعنا ، وباعتزاز وفخر كبيرين ان نقول بثقة ان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ما زالت كما كانت ، موضع الحب والاعجاب والامل لدى عشرات الآلاف من المناضلين التقدميين الديمقراطيين في بلادنا وفي كل بلداننا العربية .


[1] د. محمد الجابري _ قضايا في الفكر المعاصر_ بيروت _ مركز دراسات الوحدة 1997_ص37 .
[2] التوتاليتارية " Totalitarianism " _ نمط من الدكتاتورية الاستبدادية ، يتميز بالشمولية ، حيث تغطى إرادة الزعيم أو القائد فوق كل شيْ ، فوق إرادة الشعب ، فوق القانون والمؤسسات .. إن إلغاء حكم القانون واحلال إرادة القائد مكانه هو جوهر الدوتالية ( يمكن لفظ الكلمة = توتالية ، أو زعيم توتالي ) .
[3] محمد عابد الجابري – العقل الأخلاقي العربي – مركز دراسات الوحدة – بيروت – 2001 –ص31
[4] المصدر : الموسوعة العربية ، المجلد الأول – معهد الإنماء العربي – ط 1 – 1986 – ص35.
[5] د.حليم بركات-المجتمع العربي في القرن العشرين-مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت-2000-ص639 .
[6] الموسوعة العربية ، ص36 / 38 مصدر سبق ذكره .
[7] اللي ما بتقدر عليه بوس ايدو وادعي عليها بالكسر/امش الحيط الحيط وقول السترة/اللي بيتزوج امي بصير عمي/ الله مع الصابرين /الف قولة جبان ولا قولة الله يرحمه/ الف عيشة كدر ولا نومة تحت الحجر/العين لا تقاوم المخرز/ الصبر ولا القبر/من صبر ظفر‘ومن لج كفر/العين بتعلاش عن الحاجب/حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس ..الخ .
و تكون بعض الامثال تسويغية : الله فضل ناس على ناس ، و تعبر بعض الامثال عن اللامبالاة : فخار يكسر بعضه/ ابعد عن الشر و غني له .
[8] المثالية Idealism : معناها في اليونانية الصورة أو المفهوم، والمثالية تبدأ من المبدأ القائل بأن الروحي أي اللا مادي أولي، وان المادي ثانوي ، أما المادية materialism فهي، الاتجاه الفلسفي العلمي الوحيد، في مقابل المثالية. وتذهب المادية الفلسفية إلى أن المادة أولية والعقل – أو الوعي – ثانوي. ويتضمن هذا أن العالم أبدي، وأنه لا محدود في الزمان والمكان. والمادية – إذ تذهب إلى أن الوعي نتاج للمادة – تعتبره انعكاسا للعالم الخارجي، ومن ثم تؤكد إمكان معرفة العالم .
[9] معجم علم الأخلاق – دار التقدم _ موسكو _1984 _ص285 .
[10] ول ديورانت- قصة الفلسفة- ص 616 .
[11] الأنانية : حالة سلوكية تقوم على التمركز على المصلحة الشخصية وليس على مصلحة الآخرين أو المجتمع . وترتبط الأنانية ارتباط صميما بالفردية . والأنانية في المجتمع الاشتراكي خطيئة وأثر من بقايا الرأسمالية .
[12] الكلبية : صفة للناس الذين يتوخون تحقيق مصالحهم الأنانية بكل الوسائل الممكنة بما فيها اللاأخلاقية ، كذلك هي صفة للناس اليائسين الذين خاب أملهم في كافة المبادئ والمثل و|أفلسوا معنويا ، يعود أصل المصطلح إلى مدرسة "الكلبيين" الفلسفية اليونانية التي أسسها "أنتيسفان " في القرن الرابع ق.م (معجم الأخلاق) .
[13] د.حليم بركات-مصدر سبق ذكره- ص654-677 .
[14] د.حليم بركات-المجتمع العربي في القرن العشرين-مصدر سبق ذكره-ص640 .
[15] حسين مروة ، النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية – الجزء الثاني ، دار الفارابي – بيروت ،1985 ص350
[16] كارل ماركس-رأس المال –الجزء الأول –ترجمة محمد عيتاني-مكتبة المعارف-بيروت –1975 –ص7.
[17] جاد الجباعي –التبعية وإشكالية التأخر التاريخي- كتاب جدل – العدد الثالث-مؤسسة عيبال-قبرص-1992 –ص145.
[18] تصور المعتزلة، الخير والشر على أنهما حسن وقبح، وأعلنوا أن للأفعال صفات ذاتية تجعلها حسنة أو قبيحة وهذه الصفات يدركها العقل، وجعلوا العدل من أهم مبادئهم، واثبتوا حرية الإنسان ومسؤوليته عن اعماله وعما يتولد منها.
[19] المصدر : خوسيه كازانوفا-الاديان العامة في العالم الحديث-توزيع مركز دراسات الوحدة العربية-دار المنظمة العربية للترجمة-بيروت-مايو 2005-ص49 ، وكذلك انظر: جلبير الأشقر – الدين والسياسة من منظور ماركسي – مجلة الأداب – بيروت – 12/2008 – ص59.
[20] جاد الكريم الجباعي – مركز دمشق للدراسات – 18/6/2008 – الانترنت - http://www.dctcrs.org .
[21] د.صادق العظم-نقد الفكر الديني-دار الطليعة-بيروت-1969-ص22 .
[22] د.حليم بركات-مصدر سبق ذكره-ص661 .
[23] إنجلز "حرب الفلاحين في ألمانيا" تعريف محمد أبو خضور ،دار دمشق (دمشق) دون تاريخ (ص23). كما ورد النص في لينين "ما العمل؟."
 
* محاضرة  في اللقاء الثقافي مع كوادر الجبهة في قطاع غزة بجمعية بادر مساء يوم 21/6/2009 .
 
** مسئول الدائرة الثقافية المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
 



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معظم النظام العربي يلعب دور أساسي في استمرار تقدم المشروع ال ...
- ما الماركسية ؟ الصوراني يدعو كوادر الجبهة للتمسك بالماركسية ...
- حول تطور م.ت.ف من عام 1968 – 1974*
- تطور الرأسمالية منذ القرن الثامن عشر إلى بداية القرن الحادي ...
- ورقة حول : أنفاق رفح وآثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسي ...
- حول فشل الحوار الوطني
- الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على الاقتصاد العربي
- حول الثقافة ودور المثقف
- حول حوارات اليسار الفلسطيني - هل يمكن لليسار الفلسطيني أن يت ...
- تلخيص كتاب : التطهير العرقي في فلسطين تأليف: إيلان بابيه
- معطيات وأرقام حول الشعب الفلسطيني واللاجئين الفلسطينيين
- حق العودة وخيار الدولة العربية الديمقراطية
- الصراع الداخلي الفلسطيني وأثره على مستقبل الدولة الفلسطينية
- تضامن رفاقي
- حالة الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة وإمكانية التنمية وخلق فر ...
- ورقة حول إسهامات د. فتحي الشقاقي الفكرية والسياسية
- أثر الحصار والإغلاق على الحالة الاقتصادية في قطاع غزة
- حيدر عبد الشافي الإنسان والسياسي والقائد الذي جاء إفرازاً لا ...
- إمكانية استئناف الحوار الوطني الفلسطيني في ضوء التطورات الأخ ...
- محاضرة في :الندوة المعقودة بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين ...


المزيد.....




- ??کخراوکردن و ي?کگرتووکردني خ?باتي چيناي?تي کر?کاران ئ?رکي ه ...
- عاش الأول من أيار يوم التضامن الطبقي للعمال
- اندلاع اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب ...
- الولايات المتحدة: اعتقال مئة من المتظاهرين المؤيدين للفلسطين ...
- اعتقال الشرطة الأمريكية متظاهرين في جامعة كولومبيا يؤجج الاح ...
- الحزب الشيوعي العراقي: معا لتمكين الطبقة العاملة من أداء دو ...
- -إكس- تعلّق حساب حفيد مانديلا بعد تصريحات مؤيدة لأسطول الحري ...
- انتشار التعبئة الطلابية ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية
- بيلوسي للطلبة المتظاهرين: انتقدوا إسرائيل كما شئتم لكن لا تن ...
- فرنسا: القضاء يوجه اتهامات لسبعة أكراد للاشتباه بتمويلهم حزب ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - حول مفهوم الأخلاق والحزب الثوري